الأمين العام لمجمع اللغة العربية: لغتنا هي ركن الهوية وحافظة الثقافة
في ليلة هادئة وبين أرفف مكتبة قديمة تنبعث منها رائحة الورق العتيق، كانت فتاة صغيرة تقلب صفحات كتاب مكتوب باللغة العربية، توقفت فجأة عند إحدى الجمل وابتسمت: “ما أجمل هذه اللغة!”، ثم سألت والدها: “لماذا يتحدث الناس دائمًا عن أهمية اللغة العربية؟”.. هنا تأتي الإجابة من عمق التاريخ وحاضرنا اليوم، من كلمات د. عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، الذي يرى في اللغة العربية مجدًا عريقًا وثقافة خالدة تستحق الفخر والحفاظ عليها.
قال د. عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، لمنصة «كلمتنا» إن اللغة العربية لغة ثقافة وعلم ومجد وتاريخ عريق، لا يعرف الناس الزمن البعيد الموغل في الماضي الذي ظهرت فيه هذه اللغة إلى الوجود، ومنذ ظهرت الى الوجود وهي تحمل معارف أهلها ومشاعرهم وتعبيرهم عن أنفسهم، وتفصح عن طبيعة حياتهم وعلاقات مجتمعاتهم، وعن الإبداع الذي يأتي في عقول أدبائهم وشعرائهم، وقد مضى عليها عشرات المئات من السنين وهي فائقة حاضرة لا تغيب.
وأوضح مدكور أن اللغة العربية اكتسبت مكانة عظيمة وشرفًا فائقًا بفضل نزول القرآن الكريم بها، وأعطاها القرآن العظيم عندما نزل بها شرفًا ومكانة وعظمة تتفوق بها على كثير من اللغات الإنسانية المنتشرة في الشرق والغرب؛ لأنها هي اللغة التي يُعرف فيها حكم الله عز وجل، وينتقل منها إلى غيرها على ألسنة الشعوب التي دخلت فيها وتشرفت بها وتركت لغاتها من أجلها وهي شعوب كثيرة في العالم في الشرق وفي الغرب، وقد وجدنا شعوب جنوب شرق آسيا وأواسط شرق آسيا وآسيا الصغرى تترك لغاتها؛ حبًا في اللغة العربية وانتماءً إلى ما نزل بها من الكتاب العزيز، وألفت بها المؤلفات في اللغة والأدب والنحو والبلاغة والشريعة والفقه والتفسير والحديث والأخلاق والفلسفة.
وأشار إلى أن اللغة العربية أضافت إلى ذلك كله علمًا مزدهرًا بعد أن تُرجمت إليها علوم اللغات الأخرى من الهند والفرس واليوناني والسُرياني والقبطي وسائر الشعوب التي وقفت اللغة العربية معها موقف الند وتغلبت عليها، انتقل إليها تراث الأمم ثم حملها أهلها إلى أعلى مقام، وفهموا هذا التراث الذي تُرجم وأبدعوا فيه إبداعًا جديدًا فائقًا على ما سبق في غيرها من اللغات في علوم الطب والفلك والرياضيات والحساب والهندسة والتشريح وغير ذلك من العلوم الكبرى التي أصبح المرجع الأول فيها هو اللغة العربية، بحيث إذا أراد الناس أن يعرفوا تراثهم القديم فإنهم يرجعون إليها لأنها احتفظت به وحافظت عليه.
وأكد مدكور أن اللغة العربية على مر التاريخ، لم تكن فقط حافظة لتراثها، بل أصبحت لغة العلم الأولى في العالم، لافتًا إلى أن علوم الطب والفلك والهندسة والرياضيات والحساب وغيرها تُرجمت إلى العربية، ما جعلها المرجعية الأساسية لتلك العلوم لأكثر من خمسة قرون.
وأضاف مدكور أن اعتراف الأمم المتحدة باللغة العربية كإحدى اللغات الرسمية الست الكبرى يؤكد مكانتها العالمية، وقال: “على أهل العربية أن يسعوا إلى حمايتها وحفظها وتزويدها بمحتويات العلم من سائر اللغات كما فعل أسلافهم القدامى عندما ترجموا هذه اللغات إلى اللغة العربية، واليوم العالمي للغة العربية لتذكير الناس بأهمية هذه اللغة وشرفها ومكانتها وتاريخها وعراقتها وقدرتها وأصالتها بحيث أنها حافظة المجد والثقافة والتاريخ”.
وختم مدكور حديثه لـ «كلمتنا» قائلًا: “اللغة العربية هي الأمر الجامع للأمة العربية وركن عظيم من أركان الهوية وعلى أهلها أن يعرفوا لها قدرها وألا يحجبوها عن محيطها الحيوي اللغوي الأدبي الثقافي الإعلامي التعليمي الذي يجب أن تكون حاضرة فيه بكل قوة حتى نسعد بوجودها ونعبر بكلماتها ونتذوق جمالها وأصالتها وحسن تعبيرها”.