
ما يزال الشعب المصري يضرب أروع الأمثلة في الاصطفاف خلف القيادة السياسية، وكعادة المعادن النفيسة، لا يزيدها لهيب الأحداث وشدتها إلا نقاء، وهو ما قدمه كل مصري شريف في الفترة الأخيرة، لتصل الرسالة إلى الرأي العام العالمي أن مصر لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية.
لم تكف أبواب الشر عن التأجيج، ولا غربان البين عن النعيب طوال الأيام الماضية، لتخرج كلمات السيد الرئيس واضحة كاشفة، لا تحمل التأويل، ولكن كعادة الرجل بانضباطه مدرسة العسكرية المصرية يخرج ليؤكد على الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية.
لا أدري، لماذا جال بخاطري ما تناقلته الصحف الفلسطينية إبان ثورة يوليو 1952، وحرص الضباط الأحرار على التأكيد على أن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين، وأنهم حريصون على حق الشعب الفلسطيني؟، فما أشبه الليلة بالبارحة، وكأنه قدر مكتوب على هذا الوطن أن يكون في صدارة المشهد بدم أبنائه ودبلوماسية حكمائه على مدار أكثر من 70 عامًا، منذ النكبة الفلسطينية.
“لاءات السيد الرئيس” تأتي في وقت متأزم عالميًا، وهو ما يؤكد أن مصر الكبيرة حددت بوصلتها، وتأبى أن تكون طرفًا يمجد الظلم التاريخي الواقع على أبناء فلسطين المحتلة؛ كما حملت رسائل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأكيدات على أنه لا يمكن السماح بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، لأن الفلسطينين أنفسهم وعوا الدرس منذ 1948 وما قبلها من أحداث.
يؤكد السيسي في خطاب تاريخي أن مصر قد اضطلعت بدور فاصل منذ بداية الأزمة، بعقد قمة للسلام، ودعوة عشرات الزعماء حول العالم، والتأكيد على الحقوق التاريخية التي لا يمكن تجاوزها، حيث بات الرأي العام العالمي يدرك أن هناك ظلمًا تاريخيًا وقع على الشعب الفلسطيني طوال 70 عامًا.
كلمات كاشفة، لم تخل من الدبلوماسية التي تعد أحد أعمدة السياسة المصرية، فخطاب الرئيس أوضح أن مصر عازمة على العمل مع الرئيس الأمريكي ترامب للتوصل إلى سلام منشود قائم على حل الدولتين.
إن الرهان على الوعي الشعبي هو المحك، في ظروف تاريخية وجيوسياسية غاية الصعوبة، ولكن الشعب المصري صبره يهد جبال، كيف لا وهو الذي وقف يدافع عن أرضه ضد الاحتلال الإنجليزي، وبعدها أثناء العدوان الثلاثي على مصر، مرورا بحرب الاستنزاف ونصر أكتوبر!
لا يغيب عن أذهاننا أن القول الفصل دومًا لصاحب الأرض، فما يسطره الفلسطينيون من ثبات ورباطة جأش، كان وما يزال وقود المعركة التي لن تحسم إلا بنفس الأدوات التي سمح بها للاحتلال أن يستحوذ على الأرض، فلا يمكن أن نقلل من ثبات أبناء فلسطين، دفاعًا عن أرضها، لتكتمل الثلاثية، عزيمة شعب، قوة تحمي الحق، مفاوض يجيد الدبلوماسية والدعم، كما ظهر في الدور المصري على مدار تاريخ القضية.
إنها شخصية مصر التي لا تنحني للريح، فما تزال كتب التاريخ حافلة بما قدمه أبناء هذا الوطن لهزيمة جحافل الصليبية وإيقاف المغول وكسر شوكة التتار، إنها مصر التي يبقى أهلها في رباط إلى قيام الساعة، وأي شرف أن تكون للحق مساندًا، وعنه مدافعًا؟.. حفظ الله مصر شعبًا وجيشًا وقيادة.