رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| مصر بين الأزمات والحلول.. الحزمة الاجتماعية الجديدة في ميزان الواقع

في زمن تتصارع فيه الدول مع أزمات اقتصادية خانقة تخرج مصر بمبادرة جريئة تمثل طوق نجاة لملايين المواطنين. لم يكن الإعلان عن الحزمة الاجتماعية الأخيرة مجرد رقم يُضاف إلى قائمة الإجراءات الحكومية، بل جاء كرسالة واضحة أن الدولة ليست في معزل عن معاناة الناس وأن الدعم ليس مجرد وعود، بل التزام ملموس.
حين ننظر إلى العالم نجد أن كثيرا من الدول اختارت طريق التقشف رفعت الدعم، وخفضت الأجور، بينما مصر سلكت مسارا مختلفا. القرار هنا ليس مجرد خطوة اقتصادية، بل رؤية سياسية واجتماعية تعكس فلسفة حكم ترى أن المواطن ليس عبئا، بل محور المعادلة. فماذا تحمل هذه الحزمة؟ ولماذا تأتي في هذا التوقيت الحرج؟
الرهان على الدعم المباشر
ما يميز هذه الحزمة ليس فقط حجمها، بل طريقة توزيعها. لم تذهب إلى الجميع بالتساوي، بل استهدفت الفئات التي تحتاجها حقا: العاملون بالدولة من ذوي الدخل المحدود أصحاب المعاشات مستفيدو تكافل وكرامة، أصحاب البطاقات التموينية، العمالة غير المنتظمة، والفلاحون. هنا الدولة لم تقدم “مساعدة عشوائية”، بل دعمت من يحتاج بشكل مدروس.
زيادة الحد الأدنى للأجور، رفع المعاشات، منح استثنائية، دعم إضافي للتموين، وتحسين أوضاع الفلاحين، كلها إجراءات تصب في صالح الفئات التي تعاني بالفعل من ضغوط معيشية قاسية. لكن السؤال الأهم: هل تكفي هذه الإجراءات لخلق فارق حقيقي في حياة الناس؟
بين الاحتياج والتأثير
لا شك أن الدعم المالي المباشر يوفر متنفسًا للأسر خاصة في ظل موجات الغلاء المتتابعة. ومع حلول شهر رمضان، حيث تزداد الأعباء، يأتي هذا القرار بمثابة انتصار مؤقت على التضخم. لكنه يطرح سؤالًا جوهريًا: هل تكفي الحلول قصيرة المدى لمواجهة أزمة ممتدة؟
الاقتصاد المصري مثل غيره من اقتصادات العالم يعاني من ضغوط دولية ومحلية، أبرزها التضخم وارتفاع الأسعار. لذا، فإن تقديم دعم مباشر دون إصلاحات أعمق، قد يكون مجرد مسكن مؤقت. الحل الأمثل ليس فقط في منح المواطنين أموالا إضافية، بل في تحسين القدرة الشرائية للجنيه في دعم الإنتاج المحلي في ضبط الأسواق وفي خلق فرص عمل حقيقية.
الرسالة السياسية: المواطن أولًا
بعيدا عن الأرقام هذه الحزمة تحمل بُعدا سياسيا بالغ الأهمية. فهي تؤكد أن الدولة ترى في المواطن شريكا وليس مجرد مستهلك للدعم. الرسالة هنا تتجاوز الإجراءات الاقتصادية، لترسخ مبدأ أن الاستقرار الاجتماعي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي.
لكن تبقى هناك تحديات. هل ستصل هذه الحزمة إلى مستحقيها بالكامل دون تسرب أو فساد؟ كيف ستتعامل الدولة مع توقعات المواطنين التي قد تتزايد مع هذه الخطوة؟ وكيف سيتم تمويل هذه الحزمة دون أن تؤثر على الموازنة العامة؟
ما بعد الدعم: الحاجة إلى حلول مستدامة
الدعم المباشر مهما كان كبيرا ليس حلا طويل الأمد. التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على خلق اقتصاد قوي قادر على امتصاص الصدمات. هذا يعني تحفيز الاستثمار دعم المشروعات الصغيرة، تحسين بيئة الأعمال، والحد من الاحتكار. عندها فقط، لن يكون المواطن بحاجة إلى انتظار “حزمة إنقاذ” جديدة، بل سيكون قادرًا على مواجهة التحديات بنفسه.
في النهاية هذه الحزمة تمثل خطوة إيجابية في توقيت حساس لكنها لن تكون كافية إذا لم تتبعها إصلاحات أعمق. الدعم المباشر قد يكون ضرورة آنية، لكنه ليس الحل السحري. مصر تحتاج إلى اقتصاد إنتاجي لا اقتصادًا قائمًا على انتظار الدعم. والتحدي الآن ليس فقط في تنفيذ هذه الإجراءات بل في ضمان ألا تتحول إلى مجرد استراحة قبل الأزمة التالية.