كاتب ومقال

دار في خاطري| قاتل لا يعاقبه القانون

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي  

هل تعلم كيف تطورت الأسلحة منذ قديم الأزل حتى اليوم؟ هل توقن بأن التدريب المستمر على استخدام السلاح يجعل المرء أكثر إتقانا للقتل به؟ هل تعتقد بأن كل حامل سلاح يستطيع القتل؟ بل أنه بالفعل قاتل؟ هل تعلم بأن كل منا بإمكانه أن يصبح قاتلا دون أن يمتلك سلاحا فتاكا؟ أتعتقد أن هناك قتل لا يعاقب عليه القانون؟!

عندما تسمع كلمة قتل أول ما يتبادر إلى ذهنك هو سفك الدماء، فالقتل يعني الموت، إزهاق الروح، الذبح، الفتك بالحي، لذا فهو على علاقة وثيقة بسفك الدماء، فمنذ خلق الله الإنسان وهو تسول له نفسه القتل، وذلك لدى ضعيفي الإيمان، وهذا ما ذكره القرآن الكريم عن أول حادث قتل في التاريخ وذلك ما قاله أول قتيل على وجه الأرض حيث قال هابيل ” لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”.

لقد تعددت أسلحة القتل كتعدد أسبابه، فقد عرف الإنسان صناعة الأسلحة الحادة كالبلطة والسكين، مرورا بالسيوف، والسهام، والرماح، وصولا إلى القنابل والأسلحة النارية، وجميع الأسلحة الفتاكة التي طورها الإنسان، ولكن لماذا يقتل الإنسان إنسانا مثله؟ أهو إشباع لرغبته في سفك الدماء؟! بالطبع لا! لأن ذلك الأمر ليس من فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها، وإن حدث -وذلك أمر نادر الحدوث- فذلك يعد خللا نفسيا في ذلك الإنسان.

إذن فهناك أسباب عديدة للقتل تنتهي جميعها إلى رغبة ذلك الإنسان في البقاء في هذه الدنيا، والسيطرة على زمام جميع الأمور، وذلك لن يكون لبشر مهما حاول وبذل من جهد أو سفك للدماء، لذا أرجو المعذرة فلن أتحدث عنها لأن لا شئ في هذا الكون يبرر تلك الأسباب الواهية التي تجعل المرء قاتلا، وفي النهاية لابد لكل قاتل أن ينال عقابه، وإن استطاع الهرب من العقاب الدنيوي، فأين؟ وكيف؟ الهرب من العقاب في الآخرة؟!

لكن هل هناك قتل لا يعاقب عليه القانون؟! فالإجابة على هذا السؤال هي نعم! وهو القتل الذي لا يرى بالعين المجردة، فمثلا حين يقتل شخصا ما خنقا، أو بأحد السموم، يستطيع الطبيب معرفة ذلك، بل أيضا معرفة كيف حدث القتل، وفي أي ساعة، كما أنه باستطاعته فريق البحث الجنائي معرفة أسباب القتل، ولكن ماذا عن شخص يتنفس، وينبض قلبه؟! فمن الناحية العلمية فهذا الشخص حي يرزق، ولكن ماذا عن الناحية النفسية؟!

إن لدى البشر أسلحة فتاكة تستطيع أن تقتل بها بعضهم البعض دون التعرض لأي عقاب، وذلك لأن القتيل حي يرزق ينبض قلبه، يتنفس، يأكل ويشرب، فهذه الأسلحة هي الكلمات التي تخرج من فم المرء فتصيب فريسته فلا أمل في النجاة منها، كأمثال الكلمات المحبطة التي تصيب شخصا طموحا فتقتل أحلامه وأمانيه، فتنهار كالبناء المتهدم تحت قذائف الكلمات، أتراه يعود ليشيد من جديد؟! أو ككلمات السخرية والاستهزاء التي تقتل عزيمة المرء.

فكثيرا ما تجد من باستطاعته تقديم ما يفيد المجتمع، فيصطدم بتلك الكلمات فتدمر أفكاره الجيدة فتشتتها فلا تقوى على الصمود، أو ككلمات المن والعطف التي تقتل تعفف المرء، فيصبح طعامه وشرابه كجمرة من النار تقطع أمعاءه، وكلمات الإهانة التي تقتل كرامة الإنسان فتجعله ذليلا مكسورا.

كل هذه الأمثلة وغيرها تجعل من الإنسان قاتلا لا ينص القانون على عقابه، ويجعل من هؤلاء المطعونين بتلك الكلمات قتلى وهم أحياء، ولكن لابد من وجود الأمل لكي يتم الإنسان رسالته في الحياة، فلابد للمرء أن يجعل نفسه تكون مناعة طبيعية ضد ذلك السم الذي تسرب إليها حين سماعه لتلك الكلمات حتى يستطيع مقاومته والاستمرار في الحياة، فأحيانا يستخرج من السم الدواء.

 

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى