ماذا تعرف عن نظرية مركزية الشمس التي حاربها رجال القرون القديمة؟
منذ قرون بعيدة، أثبت أحد العلماء، أن الأرض تعتبر إحدى كواكب المجموعة الشمسية، وأن الشمس هي المركز الذي تدور حوله الكواكب ومن بينهما الأرض، ولكن لإثبات تلك النظرية التي جاءت عكس نظريات أرسطو وتعاليم بطليموس عن مركزية الأرض، قامت “الثورة الكوبرنيكية”، نسبة إلى عالم الفلك التي أسسها “نيكولاس كوبرنيكوس”.
فمن هو نيكولاس كوبرنيكوس؟
هو عالم فلك وفيزيائي ودبلوماسي وعالم اقتصاد، ولد نيكولاس في التاسع عشر من فبراير عام 1437، في مدينة تورون البولندية، وكان والده تاجر نحاس ثريًا، ولكن في سن العاشرة، توفي والده فتولى خاله الذي كان أسقف في الكنيسة الكاثوليكية، شؤون تربيته وحرص على أن يتلقى أفضل تعليم.
وفي سن المراهقة، التحق نيكولاس بجامعة “Cracow” ودرس الفنون الحرة ومن بينها علم الفلك والتنجيم، حتى بدأ شغفه بالكون يتنامى شيئًا فشيء، وفي عام 1495، شغل نيكولاس منصب الكاهن في كنيسة “Frombork”.
ثم سافر إلى إيطاليا ليدرس قانون الكهنة، فمكث في ذلك الفترة مع الأستاذ الجامعي الفلكي “دومينيكوا ماريا دي نوفارا”، وساعده في عمل الأبحاث وملاحظة الأبراج السماوية الأمر الذي علقه بالفلك كثيرًا، وفي عام 1501، سجل نيكولاس في جامعة “Padua” لدراسة الطب، لكنه غادر قبل الحصول على الشهادة، حيث انتهت إجازته من الكنسية وكان لابد من العودة وشغل منصبه ككاهن.
لكنه سجل فيما بعد في جامعة “Ferrara” وحصل منها على دكتوراه في قانون الكهنة، ثم عاد وانضم إلى خاله للعيش في القصر الأسقفي في بولندا حتى عام 1510 عندما انتقل إلى مسكنٍ في كنيسة “Frombork” واستقر فيه لبقية حياته، حيث اتخذ بيته مكان لأعمال الرصد الفلكي ومراقبة الكواكب.
وبالإضافة إلى كونه طبيبًا ناجح، اهتم بالاقتصاد وكانت له مشروعات عدة مثل مشروع إصلاح العملة، ولكن احتل علم الفلك مكانة خاصة في قلبه وازداد شغفه به يومًا بعد آخر.
نظرية مركزية الشمس
اهتم نيكولاس بعلم الفلك، وبدأ بالبحث والدراسة والعمل، حتى خطى أولى خطواته نحو تغيير مفهوم النظام الشمسي وانقلاب نسق الكون، الذي أدى إلى ظهور الثورة الكوبرنيكية.
ففي الفترة بين 1510 و 1514، كتب نيكولاس مقالته حول مركزية الشمس، والتي تعني أن الأرض وجميع الكواكب الأخرى تدور حول الشمس، وأن الكون أكبر وأوسع مما يعتقده البشر، فنحن ليس إلا مصغرات للكون العريق الذي لا نهاية له.
ولكن تلك النظرية اختلفت تمامًا عما اعتقده العلماء، حيث ضربت بأوهامهم عرض الحائط، فخلال القرن الثاني الميلادي قدم عالم الفلك المشهور “بطليموس”، نموذجه عن النظام الشمسي، فاعتقد أن الكواكب تدور وفق مسارات غير منتظمة وهو ما جاء مخالف لنظرية “ارسطو”، الذي آمن أن الكواكب تدور وفق مدارات ثابتة ومحددة حول الأرض.
فكانت تلك النظريات مخالفة تمامًا لما اكتشفه نيكولاس، لكنه رغم أبحاثه الدقيقة، إلا أنه أخطأ في اعتقاده أن الكواكب تدور وفق مدارات دائرية، حيث اثبت عالم الفلك “يوهانس كيبلير” أن الكواكب تدور وفق مدارات بيضاوية وليست دائرية.
اقرأ أيضًا: هل حقا الخوارزمي أسس علم الجبر؟.. بردية مصرية تكشف الحقيقة
محاولات إثبات نظرياته
عام 1514 انتهى نيكولاس من تأليف كتابه “Commentariolus”، الذي تضمن أربعين صفحة تشرح وتلخص نظرياته بدقة، حول مركزية الشمس، كما أشار إلى وجود صيغٍ رياضية تثبت ذلك، وبرهن أن الشمس هي مركز دوران الكواكب، وأن النجوم لا تتحرك، وأن حركة الأرض حول نفسها تجعلنا نرى الكواكب تتحرك في الاتجاه المعاكس.
كما أن الأرض تدور دورة واحدة يوميًا حول محورها وسنويًا حول الشمس، وفي عام 1543 نشر كتابه الثاني “De Revolutionibus Orbium”، لكنه تلقى انتقادات حول ما يحمله عن الجرم السماوي، كما قال بعض العلماء أن هناك نقصًا في تفسير سبب دوران الأرض حول الشمس.
أما الكنيسة الكاثوليكية تلقت أفكاره على أنها خرافات لا أساس لها من الصحة، وما هي إلا محاولة منه لقلب عالم الفلك، مما أدى إلى قيام الصراع الكنسي.
صراع مع الكنيسة
نُشرت أفكار نيكولاس قبل شهرين من وفاته، لكنها امدت إلى حوالي مائة عام ليُلتفت إليها وتُأخد بعين الاعتبار، وذلك عندما ادعى العالم “جاليليو جاليلي” عام 1632 أن الأرض تدور حول الشمس.
فبعد وفاته ونشر أوراقه البحثية، حاولت الكنيسة قمع كافة الأثباتات المتعلقة بصحة نظرية كوبرنيكوس، ولكن دون جدوى، فقد فشلت محاولتها، لذا اعتبرت نظرية نيكولاس بمثابة ثورة في عالم الفلك، فظهر ما بات يعرف ب “الثورة الكوبرنيكية”، وهو انقلاب نظرية الكون رأسًا على عقب، وظهور علم الفلك الحديث، حيث تبنى “جاليلو” نظرية نيكولاس، واستطاع إثبات صحتها باستخدم التلسكوب.
كما استطاع العالم “كيبلر” عن طريق عمليات حسابية معقدة أن يتوصل في النهاية إلى قوانين حركة الكواكب، وبعد قرن جاء نيوتن ليؤكد صحتها تلك النظرية باستخدام معادلات رياضية عرفت باسم “قانون التربيعي العكسي”.
كما توالت جهود العلماء لتفسير العديد من الظواهر الكونية كتعاقب الفصول الأربعة، وأخرى متعلقة بحركة الكواكب والأجرام السماوية والظواهر الأرضية كالمد والجزر وذلك تبعًا لنظريات نيكولاس كوبرنيكوس، فاليوم 24 مايو، يوافق ذكرى وفاة العالم العبقري نيكولاس كوبرنيكوس، الذي رحل عن عالمنا عام 1543 عن عمر يناهز 70 عامًا إثر سكتة دماغية.
حيث اعتبر من أهم علماء الفلك الذين ساهموا في ظهور الفلك الحديث، وتصحيح النظريات الكونية التي ترتبت عليها الكثير من التفسيرات فيما بعد، وحتى هذه اللحظة، ورغم اجتهاد العلماء على مر العصور، إلا أن الكون مازال يحمل أسرارًا لم تكتشف بعد لكنها ستغير العالم بالتأكيد.
اقرأ أيضًا: هل حقًا اخترع “الجزري” أول روبرت في التاريخ قبل 8 قرون؟