كاتب ومقال

دار في خاطري| ذكاء كورونا

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي

عام مضى، وعام يخطو في طريقه ليلحق به، وعام آت ومازال العالم يحيا في هذا الكابوس المظلم الذي لا يعلم متى سيستيقظ منه إلا الله سبحانه وتعالى.

لم أكن أود الكتابة في هذا الموضوع أبدًا ليس لأنه يؤذيني من الناحية النفسية وحسب، بل لأنني أيضًا لا أود توثيق هذه الفترة ولو بكلمات قلائل، ولكن لا مناص من كتابة هذه الكلمات لعلك تجد فيها عزيزي القارئ تنبيها من الخطر أو أجد فيها راحة مما يؤلمني.

منذ بداية الجائحة ونحن نسمع ونقرأ إرشادات وإجراءات لابد من الإلتزام بها لوقاية أنفسنا من هذا الفيروس اللعين، ومن الناس من إلتزم بها وكثير منهم ضرب بها عرض الحائط، فاتحين أذرعتهم لذلك الفيروس وكأنهم يتحدونه في أنه يستطيع يوما أن يرديهم.

ولكن من غرائب بعض البشر ممن يهتمون باتباع الإرشادات الوقائية، أو ممن يظنون أنهم يتبعون، أو من يدعون أنهم يتبعون فقد تجد أحدهم مثلا يبتاع زجاجة كحول ليستخدمها للوقاية من كورونا، فتسأله: هل قمت بتطهير الزجاجة؟ فينظر إليك متعجباً ويقول: “لا! هذه زجاجة كحول، وكان كورونا يعي أن هذه زجاجة كحول فلا يقترب منها حتى لا يقضي عليه ما بداخلها، أو تجد مركزًا لتلقي اللقاح فتجد زحاما شديدًا، وكأن كورونا يعي أيضًا أن هؤلاء البشر أتوا ليتحصنوا منه، فإذا وجد بين الزحام شخصا مصابا فإن الفيروس يخشى أن ينتشر بين المتواجدين لأن تطعيمهم سيحول بينه وبين تحقيق مبتغاه”.

إذن فهؤلاء يعتقدون بل يثقون بذكاء كورونا، فهيا لنتخيل معا أن كورونا لديه عقل يفكر به بذكاء ودهاء، ويفعل كل ذلك من أجل حماية نفسه، إذن فهو المنتصر في هذه المعركة الشرسة التي بينه وبين البشر، فهذا الإنسان الذي ميزه الله بالعقل لا يستخدمه بصورة جيدة لحماية نفسه أو لتنفيذ أمر الله في قوله تعالى في سورة البقرة ” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ” وكأن الأمر كله عناد وتحدي.

ولكن عناد من؟! وتحدي من؟! عناد من يقولون لك احمي نفسك، وحافظ على أرواح من حولك؟! أم أن الممنوع مرغوب؟! فلنفكر سويا لنرى ما هو الممنوع، و نتيجة المرغوب من الناحية التي تجعلنا نمنع الممنوع ولا نشعر بأنه مرغوبا، فالممنوع هو التجمعات، والحفلات، والعزائم، والمصايف، فتشعر أن كل ذلك محببا إلى قلبك فعله دون النظر إلى عواقبه.

فمثلا تجد فلانا يقيم عزاء لوالده الذي توفي بعد إصابته بكورونا فيحضره عدد كبير، وذلك كما فعل زميله، أو تجد هذه تقيم حفل زفاف ابنتها في إحدى الفنادق الكبرى بحضور المئات من الأقارب والأصدقاء حتى لا يكون حفل زفاف ابنتها أقل من حفل زفاف ابنة جارتها، أما هؤلاء فذهبوا إلى المصايف كما يفعلون كل عام وكأنه واجبا لابد من فعله في كل عام مهما كانت الاحوال، ونتيجة لذلك المرغوب الذي هو في الأصل ممنوع والذي لا يراه مريدي هذه النظرية -وذلك من وجهة نظري- هو إزهاق أكبر عدد من الأرواح جراء هذا الوباء.

أما التحدي، فهل انت تتحدى نفسك في مقاومة المرض والموت؟!! أم أنك تتحدى الفيروس في أنه يستطيع إيذاءك؟!! فكفانا تحدي وعناد ونتبع الإرشادات ونتبع نصيحة رسولنا الكريم الذي صدق قوله: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض أنتم بها فلا تخرجوا منها” وهذا ليس خاص بالطاعون وحسب بل ينطبق على جميع الأوبئة في كل زمان ومكان.

الآن فلنحاول سويا أن نحول هذه المحنة إلى منحة بالصبر، الصبر على أن نمكث بالبيت، الصبر على عدم تجمع الأهل والأصدقاء، ونحمد الله على أن التكنولوجيا تقرب بيننا، الصبر على عدم التنزه، فستجد في ذلك الصبر الجميل أمرين، أولهم قلة إنتشار الفيروس وبالتالي القضاء عليه، والثاني عبادة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس من رجل يقع الطاعون فيمكث في بيته صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد” فالصبر كما قال الشيخ الشعراوي: “الصبر عبادة تؤديها وأنت تنزف وجعا” ولا تنسوا قول الله تعالى في سورة المؤمنون ” إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ “.

 

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى