بنت الشرقية والشائعات الإيجابية!.. الإعلام ومواقع التواصل.. من يقود السفينة؟
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي وسيلة للجذب، لا يمكن الفرار من مخالبها، فساعة تنشر نماذج إيجابية حقيقية لا تستطيع منع نفسك أحيانا من ترك الهاتف والتصفيق، وتارة أخرى تكشف عوارت المجتمع الذي بات يتجرد أغلبه من ثياب الأخلاق، مهما بدا في ثوب الفضيلة يتيه كما الطاووس!
من بين هذه النماذج تتقافز أمام الأعين حكايات الدعاية البيضاء والرمادية والسوداء، والتي يعرفها من درسوا ألف باء إعلام، فهناك من ينشر عن مصدر معروف ولهدف واضح، مثل التعرض لقنوات حكومية فبالتأكيد ستسعى لنشر كل ما هو إيجابي.
ومن ناحية أخرى، هناك من يخفي المصدر والهدف، ولكن في النهاية يسير نحو هدفه بكل ثقة، ومن بينها ما تفعله بعض الأنظمة الإرهابية، ومن بينها تنظيم داعش، والذي تشير دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن التنظيم يعتمد على مواد دعائية لا تدعو مباشرة للانضمام إليه، ولكنها تجتذب بعض المتعلقين بقشور الدين، دون دراية وفهم.
وقد رأيت داخل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف خلية عمل من شباب واع تتابع كيف يجتذب التنظيم الشباب إليه بوسائل تتناسب والبلد الذي يوجه إليه رسالته.
من ناحية أخرى، تقف الدعاية الرمادية على قارعة طريق الدعاية الممتد لملايين الكيلومترات عبر مئات الدول، منذ فجر التاريخ، فمع أنك تعرف أهدافا ولكن تجد الخطاب يحمل أهدافا أخرى غير معلنة، فحين تجد البعض يتحدث عن الرخاء في عهد مدرب الأهلي السابق مثلا، فالمقصود أحيانا النيل من مكانة المدرب الحالي، والأمثلة كثيرة.
وسط هذه الأمثلة، تأتي فتاة الشرقية مثالا لما يبثه البعض، عن قصد أو دون قصد، ولكن النتيجة في النهاية واحدة، دعاية ملونة -بِغض النظر عن اللون- ولكن الهدف لا يعرف تلك الألوان، ولكنه يثير المزيد من الأسئلة: “لماذا الآن؟” “لماذا المكان؟” “لماذا الحبكة؟”.
تعود تفاصيل فتاة الشرقية إلى نحو يومين مع أول ظهور للقصة المختلقة، والتي تشير تفاصيلها إلى أن شابة تعمل ممرضة وتنتمي لصفوف قواتنا المسلحة مرت على طريق والناس متجمعون على جانبي ترعة، شهدت سقوط سيارة تضم سيدة وأطفالها، وتضيف القصة ملمحا جيدا بأن الممرضة بحثت سريعا حولها، لتجد قطعة حديدية وتنزل فورا إلى الماء وسط ذهول الجميع الذين وقفوا متفرجين، وتكسر الزجاج الأمامي وتخرج السيدة وأطفالها وتقوم بالإسعافات الأولية، سريعا.
قصة قد تجد مثلها الكثير في حكايات الصباح والمساء، والتي باتت أمرا عاديا هنا في بلد المئة مليون، ولكن غير العادي أن شيئا من كل هذه التفاصيل لم يحدث، فلا وجود لترعة ولا سقوط سيارة ولا يحزنون، ولكنه السعي خلف شهرة زائفة!
أمور قد تبدو عادية، وسط نماذج نجحت في جذب الأنظار إليها، ولكن غير العادي أن بعض الشائعات التي قد نراها إيجابية ولكنها أشبه بدس السم في العسل؛ فتصوير الموقف على أن الناس يتفرجون قد ينقل صورة سلبية تصبح معتادة مع تكرارها، وحين تتحدث عن شخص أو جهة بصورة إيجابية جدا ثم تعود لتنفي ذلك، ويصبح نتيجة ذلك التندر على مواقع التواصل الاجتماعي -أو ما يعرف بالكوميكس أو الميمز- حينها سيحدث ذلك تأثيرا سلبيا في الوعي الجمعي، إذا تكررت تلك النماذج، ما يحتاجنا أن ندق جرس إنذار أمام هكذا محاولات!
لا يمكننا بحال أن نقف متفرجين أمام تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى مصدر سريع للأخبار، ويصبح زر النشر أقرب إلى الصحفي من إعمال العقل النقدي، واستخدام أدوات التحقق، والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي المنتشرة بكل سهولة.
يقول البعض: “لا تصدق كل ما تسمع، ولا نصف ما تشاهد”، ولكن دعني أخبرك أن الأمور قد اختلفت تماما، فصار عليك ألا تصدق ما تسمع ولا ما ترى، لتصبح القاعدة الذهبية: “أنا أشك.. إذن أنا موجود”.. والسلام ختام!