كلمتها

“نازك الملائكة”.. رائدة الشعر الحر في العصر الحديث

عُرفت المرأة على مدار سنوات طويلة بريادتها في مختلف المجالات السياسية منها والاجتماعية والفنية، حققت فارقًا كبيرًا ونقلة تاريخية في كل واحدة من المجالات السابقة وأكثر، كانت هي بوابة العالم نحو خبايا لم يعرفها بعد ومن بين تلك الأمور هي “الشعر الحر”، الذي تألق فيه عدد من رموز الفن الحديث، ومن بين تلك السيدات التي أحدثت نقلة كبيرة في القصائد الشعرية وتركيبتها هي الشاعرة “نازك الملائكة”، فمن هي تلك المرأة وما قصتها؟

نازك الملائكة

شهدت العراق يوم 23 أغسطس عام 1922 ميلاد واحدة من أعظم السيدات في الشرق الأوسط والعالم “نازك الملائكة”، وسميت بهذا الاسم حبًا في الثائرة السورية نازك العابد، فولدت بين أسرة فنية يقدسون معنى الشعر وقوة الفن، فكان والدها هو داعمها ومعلمها العظيم الذي قادها نحو الإبداع، فهو شاعر ومدرس للغة وقد شجعها كذلك على القراءة، كما كانت والدتها شاعرة، لكنها نشرت أعمالها تحت اسم مستعار وهو “أم نزار الملائكة”، فتحتم عليها فعل ذلك بسبب العادات السائدة آنذاك فيما يخص الكاتبات.

درست نازك الملائكة في كلية الآداب جامعة بغداد، وتخرجت منها عام 1944، ثم قررت استكمال الماجستير في الأدب المقارن في جامعة ويسكونسن Wisconsin، وامرأة بذلك الإبداع ووسط أسرتها الفنية ونشأتها على حب الشعر، فليس غريبًا أن تبدأ في كتابة الشعر منذ عمر العاشرة.

كتبت نازك الملائكة آنذاك شعرًا بمساعدة أسرتها حمل عنوان “بين روحي والعالم”، ثم نشر المجموعة الشعرية الأولى لها بالأسلوب الكلاسيكي باسم “عشاق الليل” عام 1947، ولا يمكننا ذكر نازك الملائكة دون أن نتحدث عن عشقها الموسيقى، حيث درست العود على يد مدرس موسيقى ذي شأن كبير، ثم في نفس العام قامت بنشر شعر آخر حمل عنوان “الكوليرا” تضامنًا مع وفيات وباء الكوليرا في مصر، وعلى الرغم من براعتها في الشعر وإيمانها بأنها تحمل رسالة هامة لم يلقَ شعرها استحسانًا كبيرًا في البداية لكنها قررت أن تناضل من أجل حلمها.

اقرأ أيضًا: هل عاشت “أجاثا كريستي” حكايات أشبه برواياتها الغامضة البوليسية؟

من التمرد إلى الخضوع

من الطبيعي أن يرفض الناس كل ما هو مستحدث، لكن نازك الملائكة كانت على يقين أن الشعر الحر بشكله الجديد سيلقى شهرة غير معهودة، لكن العادات والتقاليد آنذاك كانت تفرض نفسها على المجتمع بشراسة، فعندما بدأ الشعر الحر في الظهور واجهته خيبات الأمل، وأول فصيدة واجهت ذلك الجدل كانت “كوليرا”، لكنها شعرت في بداية الأمر بشيء من اليأس بعدما تجاهلها العالم ولم يكترث لأهمية ما تقدمه.

بعد مرور 20 عامًا قررت نازك إطلاق ثورة ضد الشعر الحر عام 1967، لكنها رغم ذلك عرفت بأنها ملهمة للمرأة؛ فكانت مفكرة وباحثة ومدرسة وكاتبة متألقة في المجال الأدبي، حيث ساهمت نازك بشكلٍ كبير أن يكون للمرأة العربية دور في اللغة، من أجل المساواة بين الجنسين وتلك الخطوة كانت طريقها نحو رائدة الشعر الحر.

حيث طالبت المرأة أن تتحرر من السلبية التي تجتاح نساء المجتمع العربي بسببب العادات والتقاليد، حيث جذبت انتباه الإعلام بسبب قصيدتها “لغسل العار” والتي تناقش موضوع القتل من أجل الشرف، ثم قررت بعد ذلك تأسيس جمعية للنساء اللواتي يعارضن الزواج، لكن الجمعية لم تكتمل وتزوجت نازك عام 1961.

اقرأ أيضًا: الروائية “آسيا جبار”.. عقود من النضال بالقلم تنتهي بجائزة سلام

على الرغم من أن نازك اتجهت إلى الأمر التقليدي كما أطلقت عليه وهو “الزواج”، إلا أنها استمرت في الكتابة عن النفس، حيث سردت تجربتها في مواجهة الاكتئاب ضمن سيرتها الذاتية، الأمر الذي لازمها منذ طفولتها بعد وفاة والدتها، فأصبحت تبكي طوال الوقت حتى أصابها حزن شديد تحول إلى اكتئاب بمرور الوقت.

بسبب حرب العراق والكويت غادرت نازك إلى مصر، وكتبت عدد كبير من من القصائد التي ما زال يعشقها العالم حتى هذه اللحظة، ومن بين تلك القصائد: “عاشق الليل” عام 1947، “شظايا الرماد” عام 1949، “قرارة الموجة” عام 1957، “شجرة القمر” عام 1968، و”يغير ألوانه البحر” عام 1970، “مأساة الحياة وأغنية الإنسان” عام 1977، “الصلاة والثورة” عام 1978، بالإضافة إلى آخر قصائدها “أنا وحيدة”، لترحل تلك المرأة العظيمة عن عالمنا في 20 يونيو عام 2007 في القاهرة عن عمر ناهز 83 عامًا إثر هبوط حاد في الدورة الدموية.

الجدير بالذكر أن معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55 يحتفي برائدة الشعر “نازك الملائكة” باعتبارها رمزًا من رموز الفكر والإبداع في العالم العربي، كما أن عالم الآثار د.سليم حسن هو شخصية المعرض لعام 2024 والكاتب الكبير يعقوب الشاروني هو شخصية المعرض لأدب الطفل.

اقرأ أيضًا: أول محامية مصرية.. كيف نجحت “مفيدة عبدالرحمن” في كسر المألوف؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى