في بقعة من بقاع الأرض طاهرة
بسم الله مولانا بنت وهب أنجبت ولدا
فأنجبت خير خلق الله إنسانا.
على تلك الكلمات التي صدح بها الشيخ سيد النقشبندي استيقظت الجدة زينب باكرا لتعد إفطارا مميزا لهذا اليوم المميز الذي يحمل مناسبة طيبة مباركة، فإن اليوم هو ذكرى المولد النبوي الشريف.
لقد اعتادت الجدة أن تقضي هذا اليوم بصحبة أبنائها وأحفادها، لذا فهي دائما تحرص على إسعادهم وإعداد المفاجآت لهم.
وفي تمام الساعة الثامنة وهو موعد قدوم الأبناء والأحفاد كانت قد انتهت من إعداد الإفطار المفضل لديهم، والذي هو عبارة عن فطير، بيض مسلوق قشدة، جبن، زبد، عسل نحل، ولبن، بالإضافة إلى بعض الخضراوات الطازجة كالطماطم، الخيار، الخس، والجرجير، ثم جلست قرب النافذة تراقب الطريق حتى إذا لمحت قدومهم من بعيد خرجت لاستقبالهم بالبهجة والسرور.
وبالفعل أتي الجميع إلى بيت الجدة، وتبادلوا التهاني، ومن ثم جلس الجميع لتناول الإفطار بعد أن امتلأ هذا البيت الكبير الواسع بالبشر، وعلت فيه أصوات الحكايات والضحكات، وأصوات الأطفال التي تشع سعادة وأمل فتبعث في النفس التفاؤل والسرور.
انتهى الإفطار، وحملت السيدات الأطباق التي كانت فارغة تماما لتبدأ المفاجآت تنهال على الصغار، فقد كان الأطفال في حالة تأهب ينتظرون مفاجأة جدتهم التي يحبونها كثيرا.
لاحظت الجدة عيون أحفادها التي تتنقل بنظراتها بين غرفتها والمطبخ فضحكت بصوت عال، فهي تعي جيدا أن أحفادها يحبون كل ما تصنعه من أجلهم خاصة الحلوى في المناسبات، ولكن ما هي مفاجأة هذا العام؟! فهذا هو السؤال الذي تعرف أنه يتردد في أذهانهم الآن، لذا فهي لا ترغب في أن تطيل عليهم الانتظار، فوقفت أمام باب غرفتها وقالت: من يريد مفاجأة المولد النبوي الشريف؟ فرد الاطفال جميعا وفي صوت واحد: “أنا” فقالت: من يرغب في المفاجأة فليأتي معي، وما هي إلا ثوان معدودة حتى كانوا جميعا يلتفون حولها.
دخلت الجدة إلى الغرفة وجلست على الفراش، وأزاحت ملاءة كانت مغطى بها شيء يبدو أنه كبير، فظهر على الفور ذلك الشيء ، فقد كان مجموعة من العلب الملفوفة بأوراق لامعة ذات ألوان حمراء وخضراء ، ومن ثم قالت الجدة: هيا يا أحبائي، البنت تأخذ علبة حمراء أما الولد فيأخذ علبة خضراء، اسرع الجميع وتسابقوا في حمل العلب الملونة.
وفي غضون خمس دقائق كان كل طفل يحمل علبته ويقوم بفتحها، أما الجدة فقد حملت ما تبقى من العلب وراحت توزعها على أبنائها وهي تقول: لماذا لم تأتوا لأخذ نصيبكم من المفاجأة؟! هل تظنون أنكم أصبحتم كبارا؟! ثم راحت تنظر إليهم وهم يفتحون العلب وكلهم فضول لمعرفة ما فيها مثلهم مثل أطفالهم الصغار.
كانت العلب تحتوي على حلوى المولد المتنوعة، سمسمية، حمصية، فولية، والتي صنعتها الجدة بنفسها، أما العلب الحمراء فكان بداخلها إضافة إلى الحلوى عروسة المولد، أما الخضراء فتحتوي على حصان، وإلى جانبهم ظرف ورقي صغير يحتوي على ورقة نقدية بفئات مختلفة.
وفتح الأطفال الأظرف فقالت رنا: وجدت عشرة جنيهات، بينما قال سيف: وجدت خمسة جنيهات، أما مازن فقال: وجدت عشرون جنيها، بينما فرح فقد تفاجأت بما وجدت فقالت وهي ترفع يدها بالورقة النقدية: لقد وجدت مائة جنيه، فقالت لها الجدة: لقد كانت الجائزة الكبرى من نصيبك يا فرح.
وبعد ذلك راح الجميع صغارا وكبارا يأكلون الحلوى، فقالت فرح: لماذا تصنعين لنا العروسة والحصان في المولد النبوي فقط وليس في كل مناسبة؟! فقالت الجدة: لأنها ظهرت في هذه المناسبة وتوارثتها الأجيال منذ عصر الفاطميين، ما رأيكم أن أقص عليكم القصة؟! فقال الجميع: أجل! بالتأكيد! قصيها علينا يا جدتي.
جلست الجدة لتقص الحكاية والأطفال يلتفون حولها فقالت: إن الحاكم بأمر الله الفاطمي كان يخرج بصحبة زوجته ويجوبا الشوارع في يوم المولد النبوي الشريف ، وكانت زوجته دائما ترتدي ثوبا أبيضا، وتاجا من الياسمين، فخطر ببال أحد صناع الحلوى أن يصنع عروسة من الحلوى ترتدي فستان جميلا، وتكون مزينة بأجمل زينة لتمثل زوجة الحاكم وتقدم للفتيات في هذه المناسبة، ويصنع حصانا يمتطيه فارس شاهرا سيفه ليمثل الحاكم ويقدم للفتيان، وبالفعل تم صنع العروسة والحصان من الحلوى لتكون رمز للحاكم وزوجته، واستمر صنعهما حتى يومنا هذا.
سعد الأطفال بالقصة كثيرا كما سعدوا بالحلوى أيضا، ولعبوا بالعروسة والحصان، فأطلقت كل فتاة على عروستها اسما محببا إليها، بينما الفتيان راحوا يلعبون وكأنهم يتبارزون في ساحة القتال، وكان كل واحد منهم هو من يمتطي الحصان الذي بين يديه.
انتهى اليوم، فكان يوما جميلا مميزا، هدأ الضجيج وصدح صوت الشيخ سيد النقشبندي من جديد
اللهم صل على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم
صلى عليك الله جل جلاله
وحياك سابغ فضله ونواله.
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: