على قارعة الطريق أقف، أنظر إلى الآتي والذاهب، أتابع ما يحدث في صمت وترقب، يمر الناس بي على كل شكل ولون، ومن كل حدب وصوب، فمنهم من يبتسم ويمر، ومنهم من يكشر عن أنيابه، ومنهم من يتجاهل وقوفي، وكأنني لا شيء يمر به، كأنني الفراغ الذي لا يرى، أو أنني هواء ساكن لا يبالي به أحد.
وهناك أناس يمرون مرة واحدة لا أراهم ثانية، فمنهم من يكون مروره مرورا عابرا، هادئا لا يترك أثرا، ومنهم من يكون مروره محفوفا بالضجيج، فإما أن يترك أثرا إيجابيا، وإما سلبيا، بحسب ذلك الضجيج إن كان مبهجا أم محزنا.
وأنماط من البشر تمر كل يوم، لا يتذكرونني إلا لحظة مرورهم بي، فتظهر على وجوههم دلالة النسيان، وعلى أصواتهم نبرة التذكر الفوري، فأرى ابتسامة مصطنعة، وأسمع كلمات تنم عن الفرح لرؤيتي، فيقولون لي: ” أنت هنا؟! سعدنا بلقائك من جديد” ومن ثم يذهبون فتتلاشى تلك الابتسامة، كما يتلاشى اللقاء من الذاكرة، وكأنها لحظة عابرة لا تستحق أن تبقى بها أكثر من تلك الثواني المعدودة.
وتمر الثواني، والدقائق، والساعات، فيشكل مرورها مرورا للأيام، والشهور ، والسنين، فأرى قامات قد شابت، وأخرى قد انحنت، شعور سوداء قد خطها الشيب، ووجوه ناضرة أرهقتها الأيام، وبراءة بددتها متاعب الحياة.
وبينما أنا على هذه الحال يمر بي شابا عشريني أو ثلاثيني لا أعرف بالتأكيد، فيبتسم لي ويقول: أمازلت تقف هكذا؟! فأتعجب من عبارته، فيقول: ألا تذكرني؟! أنا الطفل الذي كنت أسير في هذا الطريق منذ عشرون عاما ذاهبا إلى المدرسة، ألا تذكرني؟! لقد كنت تبتسم لي في كل صباح ابتسامة تدخل على نفسي السرور، وعندئذ اتذكره، فأسعد برؤيته شابا بجواره زوجته وأطفاله، ومن ثم يذهب ويتركني أفكر كم من الوقت مر علي هنا وأنا في نفس المكان.
وهنا أخرج مرآتي وانظر إليها، فأرى شيخا، قد ذهبت طفولته، وشبابه، ويبقى عزائه الوحيد أنه ترك بابتسامته أثرا طيبا في نفس طفل لن ينساها مهما طال به الزمان.
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: