كاتب ومقال

مصر بين حرب الاستنزاف ونصر 6 أكتوبر 1973

حين انطلقت معركة 6 أكتوبر، كان خيار مصر في تلك اللحظة محو نكسة 1967 وتحرير الأرض المصرية وتوفير أرضية متحركة لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وهي ثلاثة أهداف كان يبدو أنه من المستحيل تحقيقها معا، كان الأمر يبدو أنك تحاول ضرب ثلاثة عصافير بطلقة رصاص واحدة، وكانت اسطورة الكيان الذي لا يقهر تتصاعد وتفرض نفسها كثقافة انتصار لهذا الكيان على الاعلام العالمي، كان الجيش المصري عقب 5 يونيو 1967 وحتى ليلة 5 أكتوبر 1973 فءي حالة بناء مستمرة ، وتدريب يفوق التصور مع البحث عن حلول لعبور قناة السويس.

هنا تأتي تفاصيل مهمة لتلك الحرب التي كان على مصر أن تخوضها، لقد أصبحت قناة السويس في تلك اللحظة مانعا مائيا يمكن عبوره إضافة إلى صهاريج الزيت والمواد القابلة للاشتعال التي تغذي أنابيب تمتد لمياه القناة يمكنها ان تحيل سطح القناة إلى جحيم من النيران إذا فكرت – فقط فكرت- القوات المصرية عبور القناة وخلف هذه المياه تقف مرتفعات تلال رملية استطاع الكيان أن يرتفع بها كعائق رملي أمام أي قوات يمكن أن تفكر في العبور وفي المانع الثالث تقف قوات الكيان من خلال دشم أسمنتية و، إضافة إلى وجود حواجز حديدية تمثل حائطا للصد مع احتلال لسناء قام ببناء العديد من المطارات التي يمكنها نجدة قواته بما لا يمكن أن يسمح بمحاولة عبور القناة.

هذه العقبات الأربع كانت تقف حائلا أمام تحقيق أهداف الحرب، بجانب مئات التفاصيل الصغيرة التي تمثل حشود الدبابات والطائرات والأقمار الصناعية للولايات المتحدة، عليك أن تضع كل ذلك في ذهنك وأنت تتخيل إمكانية أو استحالة النفاذ للضفة الأخرى.

كان السادات بين 1970 عقب وفاة عبد الناصر وحنى أكتوبر 1973 ينفي وبشكل قاطع إمكانية قيام حرب أخرى بيننا وبين الكيان، وكانت المظاهرات تعم القاهرة كل بضعة شهور تتساءل فيها حشود المصريين الواقعين تحت وطأة هزيمة مريرة عام 1967 لم تخطر في أحلك كوابيسهم، وهو ما أدى إلى تهجير مدن القناة، وتوقف قناة السويس عن العمل، واحتلال سيناء بأكملها، وتحطيم أسطول الطيران المصري، كان المشهد في نهاية يوم 5 يونيو مريعا، مزعجا محطما لكل أحلام جيل الستينيات بعد أحلام كبيرة عاشوها مع قيادة جمال عبد الناصر بين 1954 وحتى وفاته في سبتمبر 1970، ومع ذلك لم تنهار الدولة، بعد انقشاع غبار المعركة، بدأت روح الهزيمة تختفي مع الوقت، وكان التخطيط لأكتوبر 1970 قد بدأ تحت نيران حرب الاستنزاف التي خاضتها القاهرة عقب 5 يونيو مباشرة،

تقول دائرة المعارف البريطانية إنه ردا على التعبئة الظاهرة من جيرانها العرب، شنت إسرائيل في وقت مبكر من صباح يوم 5 يونيو/حزيران هجوما جويا استباقيا مفاجئا دمر أكثر من 90 في المئة من سلاح الجو المصري على مدارج المطارات. وقد أدى هجوم جوي مماثل إلى إعاقة سلاح الجو السوري. وقد تعرض الجيش المصري للهجوم بدون غطاء من الجو، وفي غضون 3 أيام حقق الإسرائيليون انتصارا ساحقا على الأرض واستولوا على قطاع غزة وكل شبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس.

كما تم فتح جبهة شرقية في 5 يونيو/حزيران عندما بدأت القوات الأردنية في قصف القدس الغربية، متجاهلة تحذير إسرائيل للملك حسين بإبقاء الأردن خارج القتال، مما أدى لتعرضها لهجوم مضاد إسرائيلي ساحق. وفي 7 يونيو/ حزيران طردت القوات الإسرائيلية القوات الأردنية من القدس الشرقية ومعظم الضفة الغربية.

هذا ماحدث، وعقب ذلك كانت معركة البناء، أو إعادة بناء القوات المسلحة المصرية الشغل الشاغل لعبد الناصر ومن بعده السادات، ليس ذلك فقط لقد بدأت حرب الاستنزاف منذ انتهاء يوم 10 يونيو 1967، بمعارك صغيرة كانت تتم في عمق سيناء ووصلت لعمق هذا الكيان، وفي ذلك يقول بشير عبد الفتاح في الشروق ” بدأت وقائع تلك الملحمة التاريخية، التى توسطت هزيمة يونيو 1967، وانتصار أكتوبر 1973، عندما تقدمت المدرعات الإسرائيلية صوب مدينة بور فؤاد، أول يوليو 1967، بهدف احتلالها. بيد أن قوة من الصاعقة المصرية تصدت لها بنجاح، فيما عرف حينها بمعركة «رأس العش». وخلال الأشهر التالية، تصاعدت العمليات العسكرية على وقع رفض إسرائيل قرار مجلس الأمن رقم 242″. بنهاية عام 1967 كانت القوات المسلحة المصرية قد أعادت بناء نفسها بنسبة تبلغ حوالي 50% مما كانت عليه صبيحة 5 يونيو.

بوصول القوات المصرية لتلك النقطة بدأت مناوشات استمرت حتى عام 1971، بعدها دخلت القوات المصرية في تدريبات عنيفة لعبور القناة فيما عرف بخطة الخداع الاستراتيجي، لتظهر شخصيات عسكرية وعلمية مصرية تقف حلف التخطيط لحرب 1973، فمن حائط الصواريخ ووقود الطائرات الروسية والفكرة الهندسية لاقتحام الساتر الترابي للقناة وتحطيم الدشم العسكرية للكيان، وسيطرة الطيران المصري على قناة السويس للضربة الجوية الأولي في تمام الساعة الثانية تقف آلاف من الأسرار العسكرية التي تحتاج لمجلدات لكي نحكيها.

وإذا كنا قد خسرنا معركة فإننا لم نخسر الحرب وأظن أن هذا قدر بلدنا العظيمة، تحية للقوات المسلحة المصرية في عيدها، ولأبناء شعبنا العظيم في عيد النصر ويبقى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان شاهدا على قوتنا وإيماننا بهذا الوطن العزيز.

بقلم:
د. زين عبد الهادي
الكاتب وأستاذ المعلومات وتاريخ المعرفة كلية الآداب – جامعة حلوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى