كلمتها

في الذكرى العاشرة لرضوى عاشور.. تعرف على نشأتها

آية جمال

في زمن تملؤه التحديات، ولدت فتاة فريدة من نوعها، فتاة كتبت تاريخًا أدبيًا وإنسانيًا لا يُنسى ولو مر مئات السنين، رضوى عاشور التي تركت إرثًا ثقافيًا ليس له مثيل، استطاعت بقلمها كسر القيود ومواجهة الظلم، فكيف كانت نشأة وطفولة فتاة مثلها؟، الإجابة تكمن في هذا التقرير.

طفولة رضوى عاشور

في يوم 26 مايو 1946، ولدت الكاتبة رضوى عاشور في القاهرة، في بيئة كان لها تأثير كبير على تكوين شخصيتها، تُعد نشأتها مزيجًا ثقافيًا هائلاً يبدأ من والدها المحامي مصطفى عاشور، كان يعشق الأدب، ووالدتها مي عزام، الشاعرة والفنانة، والأكثر تأثيراً في حياة رضوى جدها عبد الوهاب عزام حيث ترعرعت على تلاوته للنصوص الشعرية للأدب العربي.

وكان لمكان مولدها تأثير قوي على تشكيل شخصيتها المتمردة واهتمامها بالقضايا العامة، فتقول رضوى: أنا بنت واقع قاسٍ، حجرة نومي وأنا طفلة كانت مطلة على كوبري عباس. بما يعنيه كوبري عباس بالنسبة إلى العارفين بتاريخ مصر”، والمقصود هنا رمزية كوبري عباس وما حدث فيه عام 1946 من احتجاجات الطلاب ضد الاحتلال الإنجليزي، والتي استقبلتها قوات الاحتلال بالرصاص وأدى ذلك إلى سقوط العديد من الطلاب في نهر النيل.

شغف رضوى عاشور بالقراءة

كانت رضوى لديها شغفاً كبيراً بالقراءة في طفولتها، وتنوعت اهتماماتها بين مجلات الأطفال باللغتين العربية والفرنسية، كما كان لديها اهتمام بالأعمال الأدبية مثل تشارلز ديكنز، ونجيب محفوظ، ويوسف السباعي.

حلم رضوى عاشور في أن تصبح أدبية بدأ منذ طفولتها، كانت تشعر دائمًا أن للكاتب مكانة مرموقة ومميزة وكأنه يحمل هالة خاصة به، ظلت تتذكر دائمًا يوم خاص في حياتها لم تنساه أبدًا، حيث ظل محفورًا في ذاكرتها حتى موتها، عندما رأت سهير القلماوي في مكتبة وسط القاهرة وفي نفس اليوم التقت بالكاتب عباس محمود العقاد في مكتبة أخرى، كانت حينها في الصف الثاني الثانوي.

رحلة رضوى في الكتابة

حرصت رضوى على الكتابة بالقلم الرصاص، ظناً أن هذه الطريقة تمنحها حرية الحذف والإضافة، بمعنى تستطيع التراجع عن الأفكار التي لا تقتنع بها، في شبابها كانت تكتب في دفاتر بيضاء دون سطور وبعرض الصفحة، وكأنها تتطلع للبحث عن أفق خالية من القيود التي فرضتها السياسة القمعية التي عايشتها.

كانت ترى أن الكتابة ليست إلهاماً فقط، إنما هي مجموعة معارف ومشاعر وتفاعلات، وليس ذلك فقط فكانت تؤمن بأن الأفكار تنضج بداخلنا قبل أن تذهب إلى الورق، وقالت أيضا إن الكتابة تأتي أحياناً بمعاناة، وأحياناً تأتي بانسيابية وكأن هناك شخص يلهمها بالأفكار، وكما قالت رضوى: “يكون المعنى قد اكتمل داخلك، وكل ما عليك أن توسع له قليلاً، أن تأتي خطوة جانباً ليخرج إلى الورق”.

في هذه الحقبة الزمنية، لم يكون منتشراً وجود فتاة بهذا القدر من التعليم والطموح والثقافة، ولكن البيئة التي نشأت فيها كان لها الدور الأساسي في ذلك، لذا التحقت بكلية الآداب قسم لغة إنجليزية بجامعة القاهرة، وحصلت على شهادة الماجستير في الأدب المقارن، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة، ونالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس عن الأدب الأفريقي.

أهم أعمال رضوى عاشور

1.ثلاثية غرناطة 1994- 1995
رواية تاريخية تهتم بفترة التواجد العربي في الأندلس، وتسلط الضوء على التعايش بين الأديان المختلفة في تلك الحقبة الزمنية، من أبرز اقتباسات الرواية “يسحبون الأرض من تحت قدميه. ولم تكن الأرض بساطاً اشتراه من السوق، فاصل في ثمنه ثم مد يده إلى جيبه ودفع المطلوب فيه، وعاد يحمله إلى داره وبسطه وتربع عليه في اغتباط. لم تكن بساطاً بل أرضاً، تراباً زرع فيه عمره وعروق الزيتون.”

2.رواية الطيف 1998
استعرضت الحياة الشخصية لرضوى، وتأثير الأحداث السياسية في فترة جمال عبد الناصر وأنور السادات، وركزت أيضًا على التفاعلات بين الحياة الخاصة والأحداث العامة، وإحدى الاقتباسات المؤثرة في هذه الرواية “إن الحياة متعة عابرة، لذائذها مطمورة تحت لحظات الفرح والمحن”.

3.رواية أثقل من رضوى
تناقش التحديات الشخصية والعامة في حياتها، مستعرضة آلام وأحلام الإنسان في مسيرته المستمرة نحو الحياة، وتحمل هذه الرواية اقتباس من أشهر اقتباسات رضوى عاشور في تاريخها الأدبي “هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا”.

4. رواية الطنطورية 2010
تناولت حياة الفلسطينيين وما يواجهونه من آلم وتشرد إثرا الاحتلال، مع توضيح الصراع الفلسطيني بطريقة إنسانية مؤثرة.
وهناك كتاب يُسمى “غزول وآخرون”، استعرض دراسة حول الكتابة النسائية العربية، وكتاب الرحلة من أول أعمالها المنشورة، ورواية الحجارة الدافئة أول رواية نشرتها رضوى.

وفي يوم 30 نوفمبر 2014 رحلت عن عالمنا الكاتبة رضوى عاشور بعد صراع طويل مع مرض السرطان دام أكثر من 30 عامًا، ورغم رحيلها، فإن إرثها الأدبي والثقافي سيظل حيًا في قلوبنا وقلوب كل جيل مثقف صاعد، فتركت بصمة لا تُنسى، وفتحت آفاقًا لفهم القضايا الإنسانية والاجتماعية من خلال كتاباتها، وإلى وقتنا هذا رواياتها تُدرس، ليس فقط لطبيعتها الأدبية والثقافية، ولكن لاحتوائها على كل معاني الأمل والقوة في مواجهة تحديات الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى