تنسيق المرحلة الثانية 2025: كيف تختار رغباتك بذكاء؟

بعد إعلان وزارة التعليم العالي رسميًا عن نتائج تنسيق المرحلة الأولى، ووسط انشغال الآلاف من الطلاب وأولياء الأمور بالتحضير للمرحلة الثانية، نحتاج إلى التريث في الاختيار، في ظل التغيّرات التي طرأت على خريطة الكليات، واختلاف الحدود الدنيا مقارنة بالسنوات السابقة. هذا العام، لا يتعلق الأمر فقط بالمجموع، بل بنظرة أكثر عمقًا للمستقبل الجامعي والمهني، وهو ما يتطلب نصيحة دقيقة مبنية على تجربة ومتابعة لملف التعليم العالي عبر أكثر من عقد من الزمن.
من متابعة ملفات التنسيق والقبول الجامعي، يمكن القول إن أخطر خطأ يقع فيه طلاب المرحلة الثانية هو النظر إلى مسمى الكليات فقط، دون فهم حقيقي لمحتواها أو مستقبلها. فتجد الكثيرين يمنحون أولوية للكليات ذات المجموع الأعلى، أو لأنها كانت حلمًا في الأسرة أو بين الأصدقاء، دون أن يدركوا أن النجاح في الكلية، ثم في سوق العمل، مرتبط بالقدرة على التكيف مع المجال والاهتمام به، لا بالاسم فقط.
المرحلة الثانية هذا العام من المنتظر أن تبدأ خلال أيام، بعد إعلان الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي، في المؤتمر الصحفي الذي عُقد صباح الأحد 3 أغسطس 2025، تبين أن كليات القطاع الطبي والهندسي قد امتلأت بمقاعدها تقريبًا، بعد أن بلغ الحد الأدنى للطب 93.12%، وطب الأسنان 92.65%، والهندسة 89.84%. هذا يعني أن الكليات المتاحة لطلاب المرحلة الثانية ستكون متنوعة، لكنها تتطلب ترتيبًا دقيقًا وفهمًا للفرص الفعلية.
أبرز الكليات المتاحة تشمل كليات التربية بأنواعها، وكليات التمريض، والعلوم، والزراعة، والتجارة والحقوق في عدد من الجامعات، فضلًا عن كليات التكنولوجيا التطبيقية والحاسبات والمعلومات في المحافظات، والتي باتت خيارًا ذكيًا لمن يفكر خارج الصندوق. هذه الكليات، رغم أنها لا تحظى دائمًا ببريق إعلامي، إلا أنها توفر فرص توظيف فعلية، خاصة في المجالات التكنولوجية التي تشهد طلبًا متزايدًا من السوق المحلي والدولي.
هنا، تظهر أهمية أن يتعامل الطالب مع الرغبات بمزيج من الواقعية والطموح. الواقعية تعني أن يعرف مجموع درجاته جيدًا، ويقارنها مع الحدود الدنيا في العام الحالي، لا العام الماضي فقط، مع ملاحظة أن المؤشرات لا تُكرر نفسها دائمًا. أما الطموح، فيعني ألا يحصر نفسه في خيارات تقليدية لمجرد أنها “منتشرة”، بل أن يبحث عن الكليات التي تناسب اهتمامه وقدراته، حتى وإن كانت خارج محافظته أو أقل شهرة. وهناك دائمًا قيمة مضافة في البرامج الجديدة أو التخصصات البينية داخل كليات تقليدية.
ومن المهم أن تعرف البدائل المناسبة لرغباتك، فمثلًا طالب الإعلام يمكن ان يلتحق بقسم الإعلام في كلية الآداب، وكذلك أقسام كلية الزراعة، بديلًا عن بعض كليات المجموعة الطبية، وفي السياق ذاته، من كان يطمح إلى الألسن، فهناك أقسام اللغات بكليات الآداب، وغيرها الكثير.
كذلك، من الضروري أن يستغل الطالب كل أداة متاحة له، بداية من دليل التنسيق الإلكتروني على موقع الوزارة، وحتى معامل الحاسب الآلي المجانية التي توفرها الجامعات يوميًا من التاسعة صباحًا حتى الثالثة عصرًا، مرورًا بمشورة أساتذة المواد وخريجي الكليات. لكن تبقى الكلمة الأخيرة للطالب نفسه، فهو من سيتحمّل نتائج هذا الاختيار لسنوات طويلة.
وينبغي ألا يغفل الطالب أيضًا الجانب الجغرافي، ليس فقط من حيث حدود التوزيع الإقليمي، ولكن من ناحية التكاليف الحقيقية للدراسة والمعيشة. فكثير من الطلاب يقبلون على كليات بعيدة جغرافيًا، ثم يصطدمون بواقع صعب اجتماعيًا وماديًا. لذا، عند الترتيب، يجب وضع هذا العامل في الحسبان، لكنه لا يجب أن يكون مانعًا إذا كانت الكلية تستحق فعلاً.
التنسيق لا يمنح فرصًا متساوية، لكنه يمنح فرصًا عادلة لمن يعرف كيف يرتّب أوراقه. والمرحلة الثانية تحديدًا هي المساحة التي ينجح فيها من يتعامل بعقلانية. لا تهدر رغبة، ولا تضع كلية لا تنوي دخولها، ولا تفترض أن الفرصة لن تأتي لمجرد أن مجموعك أقل من زميلك. فالتنسيق قائم على ترتيبك بين من يشاركك نفس الرغبات، لا على مجمل الدرجات فقط.
استوعبت المرحلة الأولى من التنسيق ما يقرب من 94,721 طالبًا من النظامين الحديث والقديم، وتم قبول عدد كبير منهم في كليات القمة، التي أغلق أغلبها أبوابه قبل المرحلة الثانية. لكن المؤشرات تؤكد أن هناك أماكن شاغرة في كليات مهمة، بعضها جديد على خريطة الجامعات، ويتيح تخصصات مستقبلية تحتاج فقط لمن يجرؤ على الخروج من القالب التقليدي.
الفرصة ليست في الكلية التي تلتحق بها، بل في الطريقة التي تستغل بها سنواتك الجامعية. هذا ما أثبتته المتابعة الطويلة، وما سيراه كل طالب يختار رغباته الآن بعقل واعٍ ونفس مطمئنة.
كن مطمئنا لاختيارات الله، فربما يكمن الخير فيما تراه شرًا وتبغضه.. منصة كلمتنا تتمنى لكم كل التوفيق