كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| حمى المكسب السريع

منذ عشرات السنين، وتحديدًا مع بداية العصر الصناعي، يصف الإنسان عصره بأنه عصر السرعة مقارنة دائمًا بالسنوات السابقة. والحقيقة أن وصف عصر ما بأنه “عصر السرعة” لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بهذا العصر الذي تنتقل فيه المعلومات بسرعة الضوء داخل كوابل الألياف الضوئية، وهو ما انعكس على الإنسان بالإيجاب في بعض الأحوال وبالسلب في الكثير منها.

نجد أن من أعراض عصر السرعة الحالي كثرة الضجر وسرعة وتيرة الحياة، ووهن العلاقات الإنسانية، وقلة الانتباه، وضعف التركيز. كما أن الاستمرار في هذا العصر يلقى بظلاله أيضًا على قيم كانت متأصلة مثل الإتقان والعمل والجد والاجتهاد. ونحن هنا لا نلوم أحدًا، ولا نتتبع جذور المشكلة، أو نحاول أن نضع لها محددات أو حلول، ولكن ما يعنينا هو الحالة التي وصل إليها الكثير من البشر فيما يخص حلم الثراء السريع بأقل مجهود، والتي باتت منتشرة ومسيطرة على فئة ليست بالقليلة.

فمقارنة خمسة وثلاثين عامًا من الجد والاجتهاد في العمل وما يتحصل عليه الفرد من مال مع دقائق معدودة يقضيها أي تافه أو نكرة على منصات التواصل الاجتماعي ليبث تفاهته أو وقاحته تجعل الغلبة لذلك التافه، وتجعل مهمة الآباء والأمهات في محاولة زرع منظومة القيم في الأبناء محض عبث.

هذه الحمى انتقلت إلى الأجيال القديمة أيضًا، وأدت إلى إلغاء العقل والمنطق، بداية من توظيف الأموال وظواهر مثل “المستريح”، وصولًا إلى منصات جديدة للمقامرات أو للكسب السريع غير المنطقي، نظير القيام بمهام بسيطة كمشاهدة مقاطع الفيديو المصورة أو إضافة علامات إعجاب على منشورات التواصل الاجتماعي.

مؤخرًا، انتشرت الأنباء عن منصة من تلك المنصات المشبوهة التي التهمت مليارات من جنيهات المصريين الكادحين، والذين سعوا خلف حلم – أو حمى – الثراء السريع، واستيقظوا ذات يوم فوجدوا أن المنصة قد اختفت بأموالهم. وحينئذ، بدأوا في العودة إلى عقولهم نادمين على تصديق إحدى كذبات العصر الرقمي، ومحاولين اللجوء إلى السلطات لمحاولة استرجاع المفقود. والحقيقة أن القانون، كما أنه لا يحمي المغفلين، إلا أنه لا يستطيع أيضًا أن يعيد إلى فاقدي الأهلية رشدهم الضائع، ولذلك فلا بديل أمام الإنسان عن التمسك بالمعدل الطبيعي المنطقي لبناء أي شيء أو للحصول عليه، مهما كانت إغراءات هذا العصر العابث.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى