كاتب ومقال

دار في خاطري| مَن أنت مِن قِطَعْ الشطرنج؟!

بقلم: ريم السباعي

في صباح يوم الجمعة استيقظ الأطفال في سعادة وسرور، إنه يوم إجازتهم الأسبوعية من المدرسة، وسوف يذهبون برفقة والديهم لزيارة جدهم وجدتهم في مزرعتهما الصغيرة، وقضاء الإجازة برفقتهما بين أشجار الفاكهة والأزهار النادرة الجميلة.

وفي تمام الساعة الثامنة وصل الجميع إلى المزرعة، كان الجد والجدة في انتظارهم، وقد كان الإفطار معدا، فجلسوا لتناوله، وكما يحدث دائما تعالت الأصوات بالحديث والضحكات، وامتزجت بأصوات الأطفال المعترضين على بعض الأطعمة، فمنهم من يرفض شرب اللبن، ومنهم من يرفض تناول البيض، وكالعادة يتدخل الجد والجدة لإقناعهم بفوائد ما يأبون تناوله.

انتهى الإفطار فمضى الجد يلعب مع الأطفال لبعض الوقت، لتصطحبهم بعد ذلك الجدة ليجمعوا بعض الفاكهة، ومن ثم قامت بغسلها وتقديمها لهم.

وبعد العودة من صلاة الجمعة جلس الجد والأب يلعبان معا الشطرنج، بينما جلس الطفل الأكبر البالغ من العمر عشر سنوات يشاهدهما حتى انتهى اللعب بفوز الجد.
عندئذ قال الطفل بضجر: أنا لا أفهم شيئا من هذه اللعبة المملة، فضحك الجد وقال: ما رأيك أن تتعلمها؟! فقال الطفل بتردد: لا مانع لدي ولكن .. فقال الجد: أنا متأكد أنها ستنال إعجابك.

راح الجد يعلم حفيده كيف يحرك قطع الشطرنج، فكان الطفل يتعلم سريعا، وكلما فهم أكثر عن طريقة اللعب ازداد سعادة، وبعدما أتم الجد تعريف جميع القطع وكيفية تحركها، قام بتنظيمها ليبدأ اللعب معه، ثم نظر إليه وقال: انظر يا بني إلى قطع الشطرنج هذه!! إنها في تحركها تشبه البشر، فتعجب الطفل وقال: كيف؟!! قال الجد: انظر إلى الوزير! إنه يتحرك بحرية كاملة في جميع الاتجاهات، وليس لديه أي قيد في طول حركته أو قصرها، إن هذا النوع من البشر الذي يشبه الوزير ليس لديه أي قيد مادي أو بدني، يفعل كل ما يريد دون قيد أو شرط، فهذا النوع من البشر مطلوب في كل مكان، ولكن عليه أن يتوخى الحذر في أن يقع في أخطاء ترمي به إلى التهلكة، فجميع الأعين تتربص به.

أما العسكري فهو مقيد، سيره لا يتعدى الخطوتين في بداية اللعب، وعندما يقتل يتم ذلك على خط مائل، فهكذا هم البشر المقيدون، الذين ينظر إليهم الجميع بأنهم الضعفاء والمهملون، ولكن انتبه!! فماذا إذا أعطي العسكري فرصته في خوض المعركة والوصول؟! إنه سوف يصبح وزيرا، وهكذا أمثاله من البشر.

نظر الطفل إلى جده وقال: وماذا عن الفيل؟! فقال الجد: الفيل يسير دائما في خط مائل، والفيل نوعان: أحدهما يسير في المربعات البيضاء، والآخر يسير في المربعات السوداء، وهكذا أمثالهم من البشر ممن يأبى السير في الطريق المستقيم، فمنهم من يكون طريقه المعوج دائما أسود فهو لا يسعى إلا للشر، ومنهم من يسير في طريقه المعوج ولكنه يرفض الشر مدعيا بأنه فرض عليه فرضا.

بينما الطابية فهي لا تسير إلا في خطوط مستقيمة، لا تعرف الإنحراف والإعوجاج، لذا فهي ملاذ للملك عند الخطر، وهكذا المستقيمون من البشر، تجد لديهم دائما الأمان والاستقرار، فهم واضحون في أقوالهم وأفعالهم.

أما إذا نظرت يا بني إلى الحصان، فستجده لا يهاب أحدا مادام يسير في مساره الصحيح، فإن قدرته على القفز تجعله يتخطى الحواجز والصعاب، فها هو المرء الجسور، يصل إلى مبتغاه قافزا فوق الجسور دون عائق أو حائل مادام يعلم طريقه الصحيح الذي لا يتعداه.

ابتسم الصغير وقال: والملك لديه شبيه في البشر؟! فقال الجد: أجل! فأمثال الملك تجدهم وقد تسلطت عليهم الأضواء، ورصدتهم العيون، وتربص بهم المتربصون، فصحيح أنهم يتحركون في جميع الاتجاهات ولكن بحذر شديد خشية الخطر، فهم أحرار مقيدون، ينالون أحب الألقاب، وتقيد أفعالهم وأقوالهم.

والآن يا بني علمت أنماطا من البشر وعليك أن تختار مسارك، ولكن لابد أن تعلم شيئا أخيرا، كن في الحياة كلاعب الفريق الأسود وليس الأبيض، فالأبيض هو من يبدأ أولا في الهجوم، بينما الأسود يرد مدافعا، واعلم أن الأيام تتقلب بين فرح وحزن كرقعة الشطرنج تحوي المربعات البيضاء والسوداء، والآن يا بني مَن أنت مِن قِطَعْ الشطرنج؟!

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى