واحدة من أكبر البعثات المصرية سافرت إلى دورة الألعاب الأولمبية في باريس هذا العام 2024، ولكن أغلب من فيها رجعوا بخفيّ حُنين، اللهم إلا العدد القليل من الأبطال.
هكذا تبدو النظرة السطحية نحو المشاركين من اللاعبين في عدة ألعاب رياضية، ولكن الحقيقة أننا أشبه بمن يطلق النار على قدميه إذا تبنينا وجهة النظر هذه؛ فالبطل الأوليمبي يحتاج إلى تنشئة ومتابعة ورعاية ربما تصل إلى نحو 12 ساعة يوميًا، من التدريب والمتابعة، بجانب التغذية الجيدة ومتابعة الوزن واللياقة وغيرها.
لتضع يدك على الجرح في هكذا مسألة، فعليك أن تسأل نفسك أولا: كيف يمكن أن نقيم الأمور بشكل صحيح؟ وهل يحصل الأبطال الحقيقيون فعلا على الفرصة التي يحصل عليها من تلقبهم منصات التواصل “أبناء الذوات”؟
أزعم وبعض الزعم صدق أننا أمام منظومة مترهلة، توغل فيها القبح أي توغل، ورفعت شعار: “لا كرامة لنبي في بلده” فتجد مدربا مصريا بارعا “أمجد عبد الحليم” في لعبة الشيش، استغنى الاتحاد المصري عن خدماته، ولكن نجح في تدريب فتاة أمريكية “لي كيڤير”، ليجعل منها بطلة تتربع على عرش المنافسات وتربح مركز أولى في 3 دورات ألعاب أولمبية متتالية، ومن ناحية أخرى، نجد انتقاء اللاعبين يستثنى بعضا من النوابغ في الألعاب الفردية، لصالح لاعبين آخرين، أقل مهارة، وما أكثر ما يكشف الستار عن هكذا حالات.
هذه الأحداث وغيرها جعلتنا نقف أمام ظاهرة أراها جديدة على مجتمعنا المصري، الذي يأكلها بعيش وملح، كما يقال، ولا يدوس أحدهم لمصر على طرف، ولكن يا للعجب تبدل الحال، وصارت معظم تعليقات منصات التواصل تتمنى هزيمة أبطالنا المشاركين في الدورة الحالية في فرنسا، بل حتى من حقق الفوز منهم لم يسلم من ألسنة اللائمين وتمنياتهم بالعودة سريعا من الأدوار الأولى.
“وفي الليلة الظلماء يفقتد البدر”.. هكذا جال بخاطري، متذكرا أستاذنا الدكتور هشام عطية، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، وهو يعكف على دراسة تعليقات جمهور بعض منصات التواصل الاجتماعي، ليستخلص منها النتائج ويحلل ما حدث لجمهور هذه المنصات، على اختلاف أعمارهم، فما أحوجنا اليوم لندرك ما فعله ترهل المنظومة الرياضية، وسوء اختيارتها أحيانا، وهو الأمر الذي لم يعد سرًا خافيًا على أحد.
أدرك -مثل غيري- أن الأمر ليس سهلا، ولكن ما نتمناه أن يكون هناك معايير تحكم أي اختيار، فيجد الأطفال البارعون في شوارع المحروسة فرصة للالتحاق بالنوادي وتشكيل نواة منتخب وطني قوي، أن يكون لدينا رؤية استراتيجية لإعداد وتأهيل المزيد من الأبطال مثلما فعلت المغرب في الجامعة الملكية، وكذلك التأكيد على أهمية الرياضة وتطبيق منهج تعريفي للأطفال، فيما يعرف بحصة التربية البدنية أو “الألعاب” والتي غالبا ما تضيع هباء منثورا.
إننا قادرون على صناعة الأبطال إذا تولى أمانة الأمر من يحسنه، وقتها لن تشاهد أزمة مثل ميزان اللاعبة التي تنافس على ميدالية ووزنها ليس في حد الأمان، أو ذلك اللاعب الذي اكتشف فجأة بعدما وصل لدولة المنافسة أن اسمه لم يتم إرساله من الاتحاد المصري للعبة، أو غيرها من المفاجآت.
إننا جميعا مسؤولون عما آل إليه الحال، فكان بوسعنا أن نتحدث وأن نكتب وأن نطلب من صانع القرار أن يتريث في الاختيار، لتتاح الفرصة للأكفأ، وقتها فقط يمكننا أن نبحث ونقيم لتحقيق أفضل المنجزات في مختلف المنافسات، وتعود القوى الناعمة الرياضية إلى سابق عهدها.