كاتب ومقال

رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| استراتيجية بناء الاقتصاد المصري.. بين التحديات والطموحات

في عالم يموج بالتحولات الاقتصادية تصبح القدرة على بناء اقتصاد قوي ومستدام هدفا رئيسيا للدول الساعية إلى الريادة. ومصر بتاريخها العريق وإمكاناتها الهائلة ، تقف في قلب هذا التحدي حيث تسعى إلى تحقيق قفزات نوعية تعيد تشكيل بنيتها الاقتصادية وتفتح آفاقا جديدة نحو مستقبل أفضل.

لقد شهدت السنوات الأخيرة تحركات جادة على كافة المستويات لإعادة صياغة النموذج الاقتصادي المصري، مستندة إلى استراتيجية شاملة تعالج تحديات الماضي وتستثمر في الإمكانات الحالية. وأحد أبرز معالم هذا التحول كان الارتفاع الملحوظ في الصادرات المصرية، والتي بلغت 40 مليار دولار العام الماضي مما يعكس إمكانيات هائلة غير مستغلة يمكن أن تدفع البلاد إلى تحقيق هدف طموح يتمثل في بلوغ صادرات بقيمة 145 مليار دولار بحلول عام 2030.

لكن التوسع في الصادرات وحده ليس كافيا. فالسؤال الأهم يكمن في كيفية تحقيق هذا الهدف. الإجابة تأتي من خلال التركيز على ثلاثة محاور رئيسية: الزراعة، الصناعة، والاستثمار. فالزراعة المصرية، التي تشهد توسعًا ملحوظا في المساحة والإنتاج والتنوع ، توفر أساسا قويا للصناعات الزراعية والغذائية. ومن هنا تأتي أهمية تعزيز هذه الصناعات لتحقق قيمة مضافة كبيرة ، تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وزيادة الصادرات في آنٍ واحد.

أما الصناعة فهي قلب الاقتصاد النابض. ولعل أحد أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع هو الاعتماد الكبير على الاستيراد ، وهو ما يعكس فجوة بين ما نستهلكه وما ننتجه. وفي هذا السياق تأتي مبادرات الدولة لدعم الصناعات التي تستهدف تقليص هذه الفجوة ، خاصة من خلال التركيز على الصناعات التكنولوجية الثقيلة مثل تصنيع السيارات الكهربائية وقطع الغيار والقطارات. هذه الجهود لا تقتصر على تلبية الطلب المحلي بل تهدف أيضا إلى جعل المنتجات المصرية منافسا حقيقيا في الأسواق العالمية.

الاستثمار بدوره هو المفتاح السحري لتحقيق هذه الطموحات. فاستقطاب الاستثمارات العربية والدولية ليس مجرد خيار بل ضرورة. ومع ذلك يتطلب تحقيق هذا الهدف بيئة استثمارية ملائمة تخلو من البيروقراطية وتوفر التسهيلات اللازمة للمستثمرين. ولعل أحد التحديات الحالية يتمثل في دراسة الأسباب التي دفعت العديد من المستثمرين إلى نقل مصانعهم إلى الخارج ، وهو أمر يحتاج إلى معالجات سريعة وجادة.

ما يميز المرحلة الحالية هو الإصرار الواضح على إعادة إحياء الصناعات التي أهملت لعقود. ومن أبرز الأمثلة على ذلك مشروع إحياء شركة النصر لصناعة السيارات والذي يعد نقلة نوعية تهدف إلى وضع مصر على خريطة صناعة السيارات العالمية. ولعل التركيز على السيارات الكهربائية يعكس إدراكا عميقا للتوجهات المستقبلية في هذا المجال حيث يشهد العالم تحولا كبيرا نحو الطاقة النظيفة والمستدامة.

لكن النجاح في تحقيق هذه الطموحات لا يعتمد فقط على سياسات الحكومة، بل يتطلب شراكة مجتمعية حقيقية. فالشعب المصري بروحه المبتكرة وعزيمته التي لا تلين، قادر على أن يكون شريكا فاعلا في بناء اقتصاد قوي ومستدام. من خلال تحسين جودة المنتجات، تعزيز التسويق، والانفتاح على الأسواق العالمية، يمكن أن يصبح المنتج المصري رمزًا للجودة والابتكار.

في النهاية يكمن التحدي الحقيقي في تحقيق توازن دقيق بين الإنتاج والاستهلاك ، وبين الاستثمار المحلي والأجنبي، وبين الطموحات الواقعية والأحلام الكبيرة. فمصر بما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية هائلة ، قادرة على أن تصبح نموذجًا يحتذى به في التحول الاقتصادي. ما نحتاجه هو رؤية واضحة إرادة لا تنكسر ، وعمل متواصل يجمع بين التخطيط الدقيق والتنفيذ المحكم.

الأمر ليس مجرد حلم بل واقع يمكن تحقيقه إذا اجتمعت الجهود وتوحدت الرؤى. فالتاريخ علمنا أن الأمم التي تمتلك الشجاعة لتغيير واقعها هي وحدها القادرة على كتابة مستقبلها بأحرف من نور. ومصر بلا شك تسير على هذا الطريق بخطى واثقة وطموحات لا حدود لها.

بقلم:
شحاتة زكريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى