كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “ميكروفون شلبي”

دقائق على بداية الحلقة وانطلاق الهواء، الأستاذ يقف مشدودًا معتدًا بنفسه يراجع الإسكريبت للمرة الثالثة أو الرابعة، كل نصف دقيقة يشد طرف القميص ويتأكد من أن الزر اللامع ظاهرًا بوضوح، شلبي يقف متوترًا قلقًا من شيء ما لا يعرفه أحد غيره، دائمًا يبدو هكذا كل يوم قبل الهواء..

ينظر للأستاذ بإجلال ما بعد إجلال، رغم أن المسافة بينهم لا تتعدى خمس خطوات، إلا أنه يمشيهم عدوًا وكأنه سينقذ الكرة الأرضية من سقوط نيزك مشتعل عملاق، يقف على بعد خطوتين من جسد الأستاذ وهو يضع له ميكروفونات الصوت، أنامله مرتعشة وملامحه في غاية التوتر..

يبتعد ويقترب أكثر من مرة ليتأكد أن الميكروفونات على مسافة واحدة من ياقة القميص البيضاء، ملامحه تحمل نظرة اهتمام لا تراها إلا بوجه أم مثالية تقوم بإرضاع صغيرها لأول مرة في حياتها، البلاتوه يبدأ في استقبال باقي فريق العمل بالتتابع، حركة الأقدام تصيب رأس شلبي بالصرع والرغبة في الصراخ.. لا تزعجوا الأستاذ، همهمات من حوله وأحاديثهم تزلزل كيانه وتجعل جسده يرتعد ونظرات تصاب بالاضطراب الشديد المبالغ فيه..

يشيح بيده بشكل هيستيري ولوعة عاشق فقد حبيبه للأبد، يخشى أن تصل الهمهمات والهمسات لمسامع الأستاذ ويصاب بالانزعاج، يتحرك بعشوائية بالطول والعرض أمام منضدة المذيع، بداخله إيمان راسخ أن الأستاذ لا يجب أن يسمع أي صوت مهما كان، حركته مصحوبة بنظرة ذعر وفزع، يرغب في الصراخ في كل الموجودين.. لا تتهامسوا.. لا تتحركوا لا تصدرون أي صوت من أي نوع وتنال من أذن الأستاذ..

يفقد التحكم في فزعه وفمه وتتحرك شفاهه المرتعدة بصوت خفيض.. هسسس، الرعب متمكن منه ومحكم قبضته على كل جوارحه وحواسه ونظرات تزداد لوعة وفزع، الأستاذ مستمر في جذب أطراف القميص والتأكد من أن الزر اللامع يظهر بوضوح، أحدهم يحدثه من الكنترول، يضحك بصوت مرتفع، ثم يهتف بحماس، “براڤو يا يوسف”، شلبي يتمكن منه الاضطراب حتى رأسه..

الموجودون يتناقشون ويتبادلون العبارات الخاصة بالعمل، ذراعا شلبي يبدءان في التعبير عن هلعه من ارتفاع الأصوات ويحركهما بلا وعي أمام صدره، يبذل جهدًا مضنًا لإدعاء الثبات وعدم الاهتمام، الأصوات حول الأستاذ تهدأ ولا يبقى غير صوت واحد يسمعه الأستاذ وحده عبر السماعة، شلبي يبدأ في الشعور بالراحة، مضى الوقت العصيب ولم ينفجر رأس الأستاذ كما يظن ويتوقع من صوت الهمهمات والهمسات، الأستاذ يجذب طرفي القميص للمرة الأخيرة، 5، 4، 3، 2، 1

يصيح الأستاذ بصوت حماسي مزلزل، يا مصرييييين
أحدهم ينظر لشلبي وهو يبتسم، صوت الأستاذ هو الأكثر ارتفاعًا وصخبًا عن الجميع، صوت الأستاذ المرتفع لا يُزعج شلبي، ملامحه تتحول للإبتسام والبهجة، صيحات الأستاذ وصوته الحاد المرتفع تشعره بالانتصار..

حديث الأستاذ لا يخرج من عقله ولا من الإسكريبت المكتوب، فقط تخرج من ميكروفونات شلبي المتناسقة الارتفاع بدقة لا تخطئها أعين يوسف المدققة، نظرة رضا أخيرة وبعدها يغادر البلاتوه وهو يودع ميكروفوناته بنظرة امتنان، تم العمل بنجاح ومازال الأستاذ يتباهى بعظمة ميكروفونات شلبي وهو يصيح للمرة العاشرة، يا مصريييييين.

بقلم
أحمد عبد العزيز صالح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى