يوسف إدريس.. صاحب الكتابة الواقعية الإنسانية الذي لُقب بـ “تشيخوف العرب”
أديب مصري ترك بصمته في عالم الأدب العربي، استطاع أن يكون قريبًا للإنسان البسيط بسبب لغته القريبة منه في قصصه الأدبية، بدأ حياته طبيبًا نفسيًا ولكن عشقه وولعه بالأدب والقصص القصيرة جعله يبدع في الكتابة ليصبح من أدباء العرب حتى لُقب بـ “تشيخوف العرب” نسبة للأديب الروسي العملاق “أنطون تشيخوف”، إنه يوسف إدريس الكاتب المسرحي والقصصي الكبير.
استطاع يوسف إدريس من خلال كتاباته تصوير الواقع والحياة البسيطة في الطبقات الدنيا من المجتمع الريفي ليصبح أكثر الروائيين اقترابًا من القرية المصرية، كما استطاع أيضًا التعبير عن حياة الإنسان العربي الذي يتم تهميشه من خلال كتابته بلغة بسيطة جعلته قريبًا من حياة الإنسان، فلقد تميزت قصصه القصيرة بإبراز الملامح النفسية والداخلية للشخصيات الموجودة بها، وظهر ذلك الإبداع في “حادثة شرف، النداهة، قاع المدينة، لا وقت للحب، العيب، الحرام، وورق سيلوفان” وغيرها من الأعمال العديدة التي اتسمت بأسلوبه المميز وتم تحويلها إلى أفلام سينمائية ومسرحية.
شغف منذ الطفولة
تربى يوسف إدريس في منزل جدته بمحافظة الشرقية، ولكنه كان كثير التنقل في مختلف المحافظات لأن والده كان يعمل في الاستصلاح الأراضي، ولكن كانت طفولة إدريس مليئة بالشغف تجاه العلوم ويحلم دائمًا بأن يصبح طبيبًا وبالفعل نجح في الالتحاق بكلية الطب جامعة القاهرة، كما بدأ الإبداع في الكتابة أيضًا منذ الطفولة وحاول تنمية موهبته فيها حتى أنه كتب عدة مسرحياته أثناء دراسته.
كان له مشاركة سياسية أثناء الدراسة فلقد شارك يوسف إدريس في العديد من المظاهرات المعادية للاحتلال البريطاني وكذلك الملك فاروق، كما أصدر المجلات الطلابية الثورية، ذلك الأمر الذي جعله يكتب أولى قصصه القصيرة وقتها لتنال إعجاب زملائه، ليبدأ بعدها رحلته التي أثرت العديد من الأعمال الأدبية المهمة في العالم العربي.
بعد تخرجه عمل يوسف إدريس طبيبًا بالقصر العيني لمدة 9 سنوات، ليعمل بعدها طبيبًا نفسيًا ثم بدأ في العمل كصحفيًا، ولكن بفضل شغفه بالأدب كان واسع الاطلاع فلقد أطلع على الأدب العالمي خاصة الأدب الروسي، كما قرأ العديد من الكتب الإنجليزية والفرنسية، فضلًا عن اطلاعه على الأدب الآسيوي فقرأ الكتب الكورية والصينية واليابانية، ذلك الأمر الذي علق عليه النقاد فلقد رأوا أنه لم يكن يحفل بالتراث الأدبي العربي حتى لو اطلع على البعض منه.
الطب والأدب في حياة يوسف إدريس
ساعد الطب يوسف إدريس في حياته الأدبية، فعمله طبيبًا نفسيًا جعله يطلع على أحوال المرضى في أكثر لحظات ضعفهم، ذلك الأمر الذي كان له التأثير الكبير في تشكيل وعيه الوجداني والإنساني، ويصبح أكثر قربًا من الناس ويعبر عنهم في كتاباته بدقة بالغة وبشكل إنساني، وبالفعل ظهر ذلك واضحًا في كل كتاباته التي يعبر من خلالها عن داخل الإنسان.
أصبح إدريس واحدًا من أهم الأدباء المصريين وأكبر الكتّاب، ولم يقتصر إبداعه على القصة القصيرة فقط بل أصبح من المبدعين في الرواية والمسرح، فمن أهم مسرحياته “الفرافير، المخططين، البهلوان، اللحظة الحرجة، المهزلة الأرضية”، كما كتب أيضًا العديد من المقالات السياسية والأدبية والفكرية التي تم نشرها في مجموعات، لُقب يوسف إدريس بـ “تشيخوف العرب” وذلك لوجود عدة أوجه تشابه مع الأديب الروسي “أنطون تشيخوف” فهما الاثنين طبيبين وكاتبين قصة قصيرة، اتسم أسلوبهما بالواقع الإنساني.
سافر إدريس في جولة حول العالم وزار العديد من الدول، وعند زيارته للجزائر عام 1960 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال، ليحارب معهم لمدة 6 أشهر في معارك استقلالهم، ولكنه أصيب بجروح حصل على إثرها على وسام الجزائر تقديرًا لجهوده في سبيلهم، ليعود بعدها إلى مصر ويحصل على وسام الجمهورية عام 1963، و وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، ويحقق نجاحًا باهرًا ويصبح من أهم الكتاب في عصره ويتم نشر مسرحياته وقصصه في مصر وبيروت.
بالرغم من النجاح الكبير الذي حققه إدريس في مجال الأدب إلا أنه لم يبتعد عن الحياة والقضايا السياسية، فظل يعبر عن آرائه المعارضة للنظام، حتى اختفى فجأة عام 1972 بعد عدة تعليقات عن الوضع السياسي في عصر الرئيس الراحل السادات، ولم يظهر إلا بعد حرب 6 أكتوبر 1973 عندما أصبح من كتاب جريدة الأهرام المصرية، وكذلك أصبح عضوًا في اتحاد الكتاب، ونادي القصة، ونادي القلم الدولي، وجمعية الأدباء.
وفي الأول من أغسطس عام 1991 توفي يوسف إدريس تاركًا خلفة العديد من الأعمال التي خلدت اسمه واتسمت بواقعيتها وإنسانيتها وجعلته أبو القصة العربية القصيرة، و”تشيخوف العرب”.
ومن أشهر أقوال يوسف إدريس:
1. نحن لا نسعد إذا استرحنا دائمًا، نحن نسعد بساعة الراحة إذا جاءت وسط يوم كامل أو ربما حياة كاملة من الشقاء.
2. إننا نتدلل فقط ليس على من نحبهم، وإنما على من نؤمن أنهم يحبوننا.
3. حياتنا سلسلة متشابكة من الصدف الصغيرة، التي قد يغير وقوع إحداها قبل الأخرى بثوان أو بعدها بثوان مجرى حياتنا كله.
4. المشاكل نحن نخلقها حين نفتقر إلى التفاؤل، والتفاؤل هو الإرادة، وبالإرادة القوية تصبح الحياة كالبساط الممهد.
اقرأ أيضًا: هل حقًا دفع يوسف شاهين حياته ثمن عشقه للسينما؟