ريم السباعي
في قاعة المحكمة، حان وقت القضية المبهمة، وجلس القاضي والمستشارون، واستعد الجميع لتطبيق القانون، قال القاضي: “عن حال هذه القضية أنا لست راض، ثم قال: أين الدفاع؟!” فجميع الحضور صمتوا للاستماع، ولكن لم يكن هناك دفاع، فكل محام عن هذه القضية لاذ بالامتناع، فالجاني مجني عليه، والمجني عليه هو أيضًا جاني، فكل طرف من الآخر يعاني.
مرت بضع دقائق، وجموع الناس تنتظر لمعرفة الحقائق، فقال القاضي للخصمين: “أنتما المتنازعين، فليقل كل منكما سبب النزاع، فلا أحد عنكما يود الدفاع، هيا فالجميع يتأهب للاستماع”.
ومن ثم قال المستشارون وتبعهم الحاضرون: “مع من ستكون البداية؟! لمن تسبب في الجناية؟! أم لصاحب الشكاية؟! فلك الأمر في النهاية، فقال القاضي: لابد لكل فرد أن يكون بحكمي راضي، فالأول في الترتيب الأبجدي سيكون هو البادي”.
فنادى على من وقع عليه الاختيار، وقال له: “تحدث عن كل شيء من دون اختصار، ولنسمح أن يكون في حديثك بين خصمك حوار، تكلم فالجميع في الانتظار”.
قال الخصم الأول والأنظار عنه لم تتحول: “إنني رجل فقير، وليس لي شأن كبير، ولدي من الأبناء كثير، وهذا خصمي من الأثرياء، رأيته يوما في المساء، وأنا ابتاع لابني الدواء، فرفعت يدي إلى السماء، وتمنيت أن أصير من الأغنياء، وقلت يا رب تقبل الدعاء، فسمعني هذا الملعون، وقال: إنك لمجنون، مالي تحسدني العيون، لذا فأنا دوما تعيس، فقلت له: لديك أموال وتعيس؟! فقال: لن تفهمني يا إبليس، وتبادلنا التهم والسباب، وذلك من دون أسباب، حتى أتى الشرطي وساقنا لنلقى العقاب”.
وقال الخصم الثاني: “إنني من الحسد أعاني، فلا تُحقق لي الأماني، فأنا حقًا من الأغنياء، ولكني من التعساء، لأني ليس لدي أبناء، وهذا ما لا يدركه الأغبياء، فأنا رجل عقيم، ذو جسد سقيم، فذلك يجعل حياتي جحيم، والمال لا يحقق لي النعيم، ليتني كنت فقير، ولدي أبناء كثير، أو طفل واحد صغير، فقال الرجل الفقير: يا صاحب الأموال، يا لك من رجل محتال، من أين ستنفق على العيال؟! فإن لم يكن لديك المال، فستصبح مثلي في أسوأ حال، فلتعتبر بحالي فهو لك خير مثال”.
وعلى إثر هذه الكلمات، عمت الفوضى وتعالت الأصوات، فهذا مؤيد وهذا معارض، وهذا يفكر في حل للمشكلات، لحظة وعاد الهدوء الى القاعة، وقال القاضي الحكم بعد ساعة، وبعدها عاد الجميع برضا وقناعة، وقال الخصمان: “سنستقبل حكمك بكل شجاعة”.
فقال القاضي: “إنها أزمة الحاضر والماضي، فالكل بحاله غير راضي، فأنتما شر آفة وداء، وليس لأمثالكما في المجتمع دواء، فكل منكما ينظر لما لدى الأخر ويتمناه، ولا يريد أن يكون لأحد سواه، وهكذا يصل إلى مبتغاه، والآن سأقضي ما أنا به قاضي، وليكن كل منكما بحكمي راضي، فعليكما نسيان ما حدث في الماضي، وكل فرد يرضى بحاله، ويحمد الله على رزقه وماله، ويعتذر لأخيه على ما ناله، من قبيح القول وسوء الفعل، وهنا تنتهي القضية، تلك القضية الأزلية من دون خسائر مادية”.
نبذة عن الكاتبة:
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: