عاطف الطيب.. مخرج “الغلابة” ورائد الواقعية الاجتماعية في نهاية القرن العشرين
إنسانيته جعلت له شعبية جماهيرية وفنية كبيرة، فلقد اهتم دائمًا بالمجتمع المصري والمواطن البسيط وهمومه وقضاياه، ذلك الأمر الذي ظهر جليًا في أفلامه التي استطاع من خلالها التعبير عن مشاكل جيل كامل، إنه عاطف الطيب مخرج الغلابة وأحد عباقرة الإخراج في السينما المصرية والعربية، الذي تروي لك منصة “كلمتنا” قصته الرائدة في عالم السينما الواقعية الاجتماعية.
التعلم من الحياة
في بيت بسيط بباب الشعرية بالقاهرة ولد عاطف الطيب عام 1947، وبالرغم من حال أهله الميسور إلا أن والده قد أفلس وقام ببيع محله في مزاد علني، ليشاهد الطيب ذلك وهو في عمر الـ 13، ليدرك وقتها قسوة الأيام وتغير الحياة، إلا أنه لم ييأس في ذلك العمر وأكمل دراسته إلى جانب عمله في الكثير من المهن بجوار دراسته.
وكان عاطف الطيب دائمًا يسعى إلى تحقيق أحلامه فلقد عشق كرة القدم، وبالفعل بدأ اللعب في النوادي الرياضية أملًا أن يكون مستقبله في تلك اللعبة، ولكن مع مرور السنوات ووصوله إلى المرحلة الثانوية بدأ حلمه يتغير تمامًا، وذلك بعد قراءته الكتب خاصًة أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ليبدأ وقتها يهتم بالمسرح وكل ما يخص الثقافة.
السينما الواقعية
قرر عاطف الطيب الدخول إلى معهد السينما قسم الإخراج بعد أن أصبح الفن من الأشياء الضرورية لحياته، متيقنًا أنه يستطيع الإبداع فيه، وبالفعل استطاع فعل ذلك خاصًة بعد أن شهد حرب أكتوبر والواقع المصري بعدها، ليقدم ذلك برؤية دقيقة في قصته “محمد خان”.
كما استطاع الطيب من خلال كتابة بشير الديك تقديم آثار سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تسببت في التهام الشريحة الأكبر من المجتمع وهي الطبقة الوسطى وظهر ذلك واضحًا في فيلمه “سواق الأوتوبيس”، ذلك العمل الفني الذي رغم تميزه بالبسطاقة إلى أنه كان عميقًا، استطاع من خلاله الطيب أن يخطو أولى خطواته تجاه السينما الواقعية الحديثة.
استطاع عاطف الطيب في ذلك الفيلم إخراج الواقعية ويؤكد على صدق اللحظة في الأماكن الطبيعية خارج إطار الاستوديو، ذلك الأمر الذي جعل النقاد يجمعون على أن هذا الفيلم أحد أهم 10 أفلام في تاريخ السينما المصرية، بفضل مخرجه الي استطاع نقل صورة تراجيديا الوطن والمواطن في تلك الفترة.
لم يختلف الأمر كثيرًا في فيلمه “كتيبة الإعدام” الذي تعرض فيه الطيب لواحدة من أهم القضايا التي تخص أبناء الطبقة الوسطى، ليؤكد من خلال ذلك الفيلم قيمة المقاومة، وكيف يمكن أن يتنازل أشخاص عن تضحيات الشهداء ويتخلوا عن مبادئهم وخيانة وطنهم، لينتهي الفيلم بنهاية ترضي المشاهدين وهي النهاية الطبيعية لأي خائن.
الحرية والعدالة المفقودة
في تجربة جديدة تخرج عن سياق الواقعية التي اعتاد عليها استطاع عاطف الطيب مواصلة سعيه إلى الحرية والعدالة المفقودة وظهر ذلك واضحًا من خلال ميله إلى الرمزية الأمر الذي ظهر واضحًا في فيلمه “الزمار”، الذي قام بإخراجه بشكل إيقاعي فلسفي وجسد فيه الطيب الظلم على عدة مستويات مختلفة، ليوضح أيضًا انحيازه لهموم الطبقة الوسطى، ولم يعرض الفيلم على الجمهور بل تم عرضه في عروض خاصة واشترك به في مهرجان موسكو عام 1985 ومهرجاني برلين والقاهرة.
لذلك ارتبط اسم عاطف الطيب دائمًا ارتباطًا وثيقًا بقضايا المواطن المصري البسيط، الأمر الذي ظهر واضحًا في معظم أعماله التي كانت مثيرة للجدب النقدي وغير النقدي لتعلقها بقضايا الحريات والحرب ضد الاستعمار، بالإضافة إلى القضايا التي تناقش العلاقة بين المواطن والسلطة، وكان من أبرز أفلامه التي تعلقت بتلك القضايا “التخشيبة، الهروب، ناجي العلي، البريء، الحب فوق هضبة الهرم، وغيرها من الأفلام الواقعية”.
مسيرة خالدة
بالرغم من السنوات القليلة التي قضاها عاطف الطيب في مسيرته الفنية، إلا أن تلك المدة كانت لها تأثير كبير على السينما المصرية والعربية، ففي أقل من 15 عامًا أخرج الطيب 21 فيلمًا سينمائيًا معظمها تعبر عن المواطن وتحاكي الواقع المصري، ورصد التغيرات والتحولات التي حدثت في المجتمع العربي والأزمات التي واجهت الأمة العربية خاصًة بعد حرب أكتوبر.
وفي عام 1995 توفي عاطف الطيب بعد رفضه السفر إلى ألمانيا للعلاج على نفقة الدولة، وذلك لأنه يرى أن الغلابة الذين تحدث عنهم في أفلامه أولى منه بذلك، ولكن أقنعه أحد الأطباء بإجرائها في مصر ولكن خطأ طبيًا كان السبب في نهاية الطيب، ليغادر عالمنا تاركًا خلفه العديد من الأفلام التي ما زالت تؤثر في قلوب المشاهدين.