عبر الزمن الطربوش والعمامة لأفندية وشيوخ مصر
ما إن تطأ قدماك منطقتي الحسين والغورية، حتى تشعر أن رائحة الماضي تطاردك، كأنك عدت بالزمن، فتلك الأماكن تذخر بصفحات من تاريخ مصر، الممتد لمئات السنين، تجمع بين الحاضر ممسكًا بماضيه.
“احنا صناع زمن الطربوش لأفندية مصر وشيوخ الأزهرالشريف” هكذا بدأ عم عماد، حفيد أقدم المحال لصناعة الطرابيش في مصر، يعود تاريخ تأسيسه إلى ما قبل الثورة 1952، ومن داخل حي الغورية، تلمح لافتة على واجهة محل تحمل اسم الحاج أحمد محمد أحمد، يظهر عليها عبق التاريخ المصري لصناعة الطرابيش، وهي إحدى الصناعات التي كانت ذات يوم تحمل أحد أهم أساسيات الزي المصري.
ليروي لنا عم عماد في “كلمتنا” تاريخ الأسرة في صناعة الطرابيش.
لقد شهد محل الحاج احمد محمد أحمد أيام حكم محمد علي، ثم حكم الوالي سعيد ابنه، فكان الحاج أحمد يتعامل معهم بشكل شخصي، هذا ما دفعهم في باديء الأمر ليطلقون عليه “طربوش الملوك”
عم عماد هو حفيد الحاج أحمد محمد أحمد، يتابع كان يأتي مساعدين الملك فاروق بين الحين والأخر ليختاروا له مجموعة من الطرابيش الملكية، كذلك نجوم السينما من شرفنطح للريحاني، ليوسف بك وهبي وهو يقول “ياللهول” وصولاً لعمامات رجال الدين والأزهر الشريف أصحاب الجبة والقفطان.
ويشهد عم عماد أن الطربوش حتى الآن لازال يحتفظ برونقه القديم، وبنفس التصميم في سابق عهده، لكن تختلف أسعاره من نوع لآخر و على حسب أصول صناعته، وأكد أنه كان يوجد محلات كثيرة بالشارع تقوم بصناعة الطرابيش إلا أنها أغلقت جميعها، ولم يتبقى سوى ورشته الموجودة بمنطقة الغورية.
يصطحبنا عم عماد في جولة معه لنرى عن قرب كيف يصنع طربوش “الأفندي” ليستغرق الطربوش في صناعته من ساعتين لثلاث ساعات، يختلف على حسب نوعه، كذلك تختلف أنواع الطرابيش منها:
طربوش الأفندي
طربوش الريحاني
طربوش الإمام
طربوش القارئ
وعن مراحل صناعة الطرابيش، يتكون من زعف النخيل، ويأتي كمرحلة أولى من مدينة رشيد، والمرحلة الثانية هي الجوخ، وهى مادة من الصوف تستورد من الهند وفرنسا والصين، ويتم كي الزعف على “إصطنبة” وهي التي تأخذ شكل الطربوش مصنوعة من النحاس، وبعد ذلك يتم لصق الصوف على زعف النخيل، ثم توضع البطانة من الداخل وتلصق بمادة لاصقة مستخدمة من “النشا” ثم يقوم الصنايعي بالخطوة الأخيرة هي الزر الحرير.
ويتنهد عم عماد تنهيدة أسى وحزن هادئ تعبيرًا عن حالة الركود التي أصبح عليها السوق وحالة البطئ والصمت الممل التي أصابت المهنة نفسها، إلا أن بريق الأمل أشاع من جديد من خلال الدراما والتلفزيون، التي أظهرت بشدة في مسلسل الجماعة وواحة الغروب، وأيضًا الأزهر الشريف والأوقاف لحفاظهم على ارتداء العمامة الأزهرية.
وكثرت الحكايات والروايات حول أصل الطربوش وكيف جاء إلى مصر.
روايات عن أصل الطربوش من أين جاء؟
اختلف المؤرخون في أصل نشأته، فهناك من يقول إن منبته وجذوره من المغرب العربي ومن ثم انتقل إلى الإمبراطورية العثمانية، في القرن التاسع عشر، بينما يرى آخرون أن الطربوش أصله نمساوي، ويؤكد البعض أنه يعود إلى العثمانيين أنفسهم كونهم أول من استخدمه، وهناك من المؤرخين أيضاً، من يرى أنه موروث جاء من تركيا وبلاد البلقان، أو أنه يوناني الأصل أتى به الأتراك إلينا.