“فتحية العسال” انتهكت إنسانيتها فواجهت آلامها بالتمرد والفن
عرفت مصر بنخبة من الكُتاب والأدباء العظماء الذين تركوا بصمة مؤثرة في السنيما والدراما وكذلك المسرح باعتباره واحدًا من أهم فنون العصر، فكانوا هم مرآتنا نحو عالم الفن، عبروا عن واقع مجتمعنا المصري وما تحمله الشوارع والبيوت من أسرار، ومن بين أولئك العظماء الكاتبة والأديبة المصرية “فتحية العسال“.
الكاتبة “فتحية العسال“:
شهد عام 1933 ميلاد سيدة جليلة أثرت في الفن المصري، على الرغم من أنها لم تنل أى درجة علمية بسبب تسلط والدها الذى حرمها من التعليم في سن العاشرة، لكنها رُغم ذلك قررت ألا تستسلم وتخضع لحرمانها من إحدى حقوقها الإنسانية فأصرت على تعلم القراءة والكتابة، من أجل أن يمنحنا القدر تلك المرأة العظيمة ويقدمها الفن إلينا باعتباره لغة الروح قبل القلم.
لم يتوقف الأمر على حرمان فتحية العسال من التعليم فقط، وإنما تم انتهاك إنسانيتها كطفلة برئية لا تفقه شيء في الحياة على الإطلاق، حيث تعرضت للختان في طفولتها، الأمر الذي يناشد العالم من أجل منعه في السنوات الأخيرة باعتباره جريمة إنسانية وصحية ودينية أيضًا، بسبب ما تتعرض إليه الفتيات من خطر صحي يهدد حياتها وكذلك يشوه الحالة نفسية للصغيرة دون وعي وإدراك من العائلة.
لكن للأسف الشديد تعرضت فتحية العسال لموقف أشد قسوة جعل الصغيرة تكبر قبل آوانها من شدة الألم النفسي الذي تعرضت له، حيث رأت خيانة والدها لأمها، كما تزوجت للمرة الأولى عندما بلغت الرابعة عشر من عمرها من عبدالله الطوخي، كل تلك الأحداث الثقيلة ساهمت في تشكيل شخصية ووعي فتحية العسال التي تعتبر من أهم المؤلفات المصريات، ففي الغالب لابد أن نصدق أن الإبداع حقًا يولد من المعاناة مهما اعتبر البعض أن رحلتك كانت سهلة ومرفهة.
انفصلت فتحية العسال عن زوجها بعد فترة من الوقت حيث قالت أنه حاول أن يتحكم في حياتها ويتملكها ويستحوذ عليها، على الرغم من أنه كان مثقفًا وواعيًا وجريئًا حسب حديثها، حيث دخلا السجن معًا عدة مرات بسبب آرائهما السياسية، لكن بعد مرور 3 سنوات على انفصال الثنائي، التقيا صدفة، وبعد حديث استمر لساعات قليلة، شعرا أن الحب ما يزال يتراقص في قلوبهما، فشاء القدر أن يجتمعا من جديد ويتزوجا مرة أخرى.
اقرأ أيضًا: الروائية “آسيا جبار”.. عقود من النضال بالقلم تنتهي بجائزة سلام
الرحلة نحو الكتابة:
عشقت فتحية العسال القراءة، واعتبرت أنها تفتح مدارك عقلها نحو عالم آخر واسع، فكانت أول قصة تخطوها أناملها هي ضمن رسالة غرامية كتبتها لزوجها الأديب الراحل عبد الله الطوخي، فأول كتاب قرأته وكان السبب في تشكل وعيها هو “عقلي وعقلك” لسلامة موسى، فاللقراءة قوة ساحرة تأخذك نحو عالم آخر لم يكن بالحسبان، ولم تستطع فتحية العسال بدء مشوارها الفني دون حكايات جبران خليل جبران الذي قرأتها برفقة زوجها، ثم بدأت رحلتها نحو عالم الفن.
شهدت عام 1957 أولى خطوات فتحية العسال نحو الكتابة الأدبية، فبسبب ما تعرضت له تلك السيدة قررت إلقاء الضوء على قضايا المرأة وكذلك القضايا الاجتماعية، وبسبب كتاباتها النسوية تم اعتقالها ثلاث مرات، ولكن رغم ذلك لم تعرف فتحية العسال طريق الاستسلام، فقامت بكتابة عددًا كبيرًا من الأعمال الدرامية وكذلك المسرحية.
كتبت فتحية العسال 57 مسلسلاً منهم مسلسل “رمانة الميزان، شمس منتصف الليل، حبال من حرير، وبدر البدور، وهى والمستحيل، وحتى لا يختنق الحب، وحبنا الكبير، ولحظة اختيار، ولحظة صدق الحاصل على جائزة أفضل مسلسل مصري لعام 1975″، كما كتبت أيضًا عشرمسرحيات وهي “المرجيحة والبسبور، البين بين، نساء بلا أقنعة، سجن النسا، ليلة الحنة، من غير كلام“.
تولت فتحية العسال منصب أمين عام اتحاد النساء التقدمي، وأيضًا كانت عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب ورئيس جمعية الكاتبات المصريات، كما كرمها المركز الوطني للعيون في صيدا، وشاركت الفنانة إسعاد يونس فى المبادرة التى أطلقتها بعنوان “جبهة الدفاع عن حرية التعبير وحق المعرفة“، لترحل تلك الكاتبة والأديبة العظيمة عن عالمنا في 15 يونيو عام 2014 فى مستشفى المعادي العسكري عن عمر يناهز 81 عامًا.
اقرأ أيضًا: قادمة من دار الأيتام.. كيف وصلت “كوكو شانيل” للعالمية؟