ثورة الهيدروبونيك.. هل تسهم في إنقاذ البشر من الموت جوعًا؟
رغم أن البشرية عرفت الزراعة مع وجود الإنسان على وجه الأرض، فقد ظل الاعتقاد السائد لآلاف السنين أن التربة -سواء كانت طينية أو رملية- إضافة إلى الماء والهواء والضوء، هي أهم مقومات النشاط الزراعي، ولا يمكن الزراعة من دونها. إلى أن توصل العلماء والباحثون إلى طريقة جديدة للزراعة بلا تربة، يُطلق عليها اسم “هيدروبونيك Hydroponics“، وتعتمد على الزراعة في الماء، مع توفير باقي المقومات الأخرى اللازمة لنمو النبات.
وتكمن أهمية التربة في أنها تساعد في تثبيت جذور النبات، وتزويده بما يحتاجه من معادن وأملاح وعناصر غذائية مختلفة، وهي المواد التي تمكن الباحثون من إضافتها إلى الماء، بتركيزات ونسب محددة، لتتغذى عليها بعض أنواع النباتات، دون الحاجة إلى التربة.
والزراعة المائية بمفهومها البسيط ليست جديدة على الكثيرين منا، خاصة ممن كانت لهم تجارب شخصية في استنبات الحلبة والفول داخل المنزل من دون تربة، عن طريق وضع حبوب الحلبة في قطعة قماش مبللة، أو غمر الفول بالماء، وتركها لعدة أيام، حتى تبدأ عملية الإنبات.
وتعتمد طريقة “الهيدروبونيك” على زراعة بذور النبات أو “الشتلات” في محلول مائي مغذٍّ، يحتوي على العناصر الرئيسية التي يحتاج إليها النبات، وتتراوح بين 12 و16 عنصرًا، أو زراعة النبات في مادة صلبة “خاملة”، بحيث لا تتفاعل مع المحلول المغذي للنبات. وبهذه الطريقة يُستغنى عن اللجوء إلى استخدام المخصبات الكيماوية التي عادةً ما يتسرب الفائض منها عن حاجة النبات في الزراعة التقليدية إلى التربة.
كما أن الزراعة المائية تحمي النبات من الآفات التي قد تهاجمه من التربة، كما هو الحال في الزراعة التقليدية، وفق ما أكد أستاذ الهندسة الزراعية بجامعة الزقازيق، الدكتور عاطف سويلم.
أما الدكتور أحمد توفيق، خبير نظم الهيدروبونيك بمركز البحوث الزراعية، فأكد أن قدماء المصريين هم أول مَن عرف الزراعة المائية، ولعل نبات البردي أبرز مثال لهذا النوع من الزراعة.
وتوجد على بعض المعابد رسوم ونقوش تشير إلى هذا النوع من الزراعة، إلا أنه بدأ الاهتمام به علميًّا في الجامعات والمراكز البحثية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، إذ لجأت إليه بعض الأساطيل البحرية لتوفير بعض الغذاء للأطقم العاملة عليها، ثم تزايد ذلك الاهتمام في ضوء المخاوف التي تجتاح مختلف أرجاء المعمورة من “أزمة جوع وشيكة”، وفق توفيق.
الهيدروبونيك والتغيرات المناخية
ومما يزيد أهمية زراعة الهيدروبونيك أن كثيرًا من العلماء يعتبرونها -على الأقل حتى الآن- أسلوبًا مثاليًّا للتعامل مع مشكلات ندرة المياه والتغيرات المناخية، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية التوسع في هذه الزراعة، بهدف “إنتاج كميات أكبر من الغذاء، في مساحات محدودة، ومن خلال استهلاك كمية قليلة من المياه”، وهو ما يؤكد ضرورة اعتماد الدول العربية -التي تعاني نقصًا في الأراضي الزراعية، بسبب طبيعتها الصحراوية، ومن بينها مصر بطبيعة الحال- على هذا النوع من الزراعة، مع تقديرات الخبراء بأن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية، وعلى سبيل المثال، فإنه من المتوقع أن يقل إنتاج محصول القمح بنسبة تصل إلى 15%.
وأكد توفيق، في تصريحاته لـ«كلمتنا»، أنه من خلال استخدام تكنولوجيا الهيدروبونيك، يمكن زراعة ما بين 150 إلى 200 نبات من المحاصيل الورقية، مثل الخس والشبت والبقدونس، في المتر المربع الواحد. أما في الزراعة التقليدية فيتم زراعة حوالي 12 نباتًا في المتر، أما بالنسبة للمحاصيل الثمرية، مثل الطماطم والباذنجان والفراولة والخيار والفلفل، فإنه يمكن زراعة 16 نباتًا، مقابل 4 نباتات فقط في المتر المربع الواحد بالزراعة التقليدية، كما أن دورة نمو النبات ونضجه تكون أقل، فمثلاً الخس في الزراعة التقليدية يحتاج 70 يومًا، أما في الهيدروبونيك فتنخفض دورة زراعته إلى 30 يومًا فقط.
وعن إمكانية التوسع في استخدام الزراعة المائية بمصر، لفت عمرو البسيوني، صاحب مزرعة هيدروبونيك، إلى أنها تتطلب استثمارات كبيرة لإنشاء الصُّوَب الخاصة بها، وهو ما أكده توفيق أيضًا، ولكنه أشار إلى أن هذه التكلفة الكبيرة تكون في البداية فقط، وقال إن العائد المتوقع للاستثمار في هذا النوع من الزراعة لا يقل عن 30 إلى 40% في السنة، بالإضافة إلى توفير عوائد أخرى، من خلال حماية صحة مستهلكي هذه المنتجات الآمنة وغير الملوثة، فهي خالية تمامًا من أي مواد كيميائية أو متركزات غازية ضارة.
زراعة موفرة للمياه والطاقة
كما أكد البسيوني ضرورة توجه مصر، خلال المستقبل القريب، إلى زراعة الهيدروبونيك، إذ إنها تساعد على توفير المياه والطاقة، وعلى زيادة الإنتاجية بالنسبة لوحدة المساحة، مشيرًا إلى أن نسبة توفير المياه، مقارنةً بالزراعة العادية، تصل إلى 95%، مؤكدًا أيضًا الأهمية الاقتصادية لمنتجات الهيدروبونيك، في حالة إنتاجها بكميات كبيرة، بحيث يمكن تصديرها للخارج.
أما توفيق، فأشار إلى أن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات استهلاكًا للمياه، وتبلغ نسبة ما تستهلكه المحاصيل الورقية حوالي 30% من المياه، وبالتالي في حالة إذا ما تم التوسع في زراعة هذه المحاصيل بطريقة الهيدروبونيك، وهي طريقة يمكن استخدامها بشكل واسع فوق أسطح المنازل أو في مساحات محدودة، فإنه يتم توفير نسبة كبيرة من المياه التي تستهلكها تلك المحاصيل، بالإضافة إلى توفير مساحات واسعة من الأراضي، يمكن استخدامها في زراعة محاصيل حقلية أخرى، بما يساعد في تحقيق طفرة زراعية، ومواجهة أي أزمات جوع محتملة.
ضرورة المراقبة بصورة دقيقة
وعن المخاوف التي قد تعتري البعض، لفت الدكتور ياسر التلمساني، في مقال نشره على موقع منتدى “زراعة نت”، إلى أن أي نقص في تركيب المحلول المغذي للنبات قد يكون له تأثير فوري على حياة النبات، في حالة إذا ما كانت الزراعة على غير أسس علمية دقيقة، وشدد على ضرورة مراقبة المحلول المائي بصورة دقيقة، وباستخدام أجهزة قياس دقيقة، بالإضافة إلى الحفاظ على عناصر البيئة الصحية داخل البيت الزجاجي، لافتًا أيضًا إلى عدم توافر الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع هذا النوع من الزراعة المستحدثة.
اقرأ أيضاً: مسؤول في “الفاو” يكشف سبل توعية الفلاحين بالتغير المناخي