كاتب ومقال

لكي يصل قطار الإعلام إلى وجهته!.. كلمة مؤسس “ميدياتوبيا” احتفالا بذكرى توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية

بقلم د.محمد سعيد محفوظ، مؤسس مبادرة ميدياتوبيا

جميعنا في اختبار!

أصحاب الأصوات الإعلامية على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم ومدارسهم، تجمعهم غاية واحدة، هي الإنسان! لا مصداقية لكلمة، إذا لم تكن مصلحة الفرد بمفهومه المطلق والمجرد هي الهدف، ولا يمكن لمحتوى إعلامي أن يحقق انتشاراً، إذا لم يعكس التباين في أذواق وأفكار الجمهور، ومن ثم في أشكال وتوجهات المنصات التي ينطلق منها..

د.محمد سعيد محفوظ، مؤسس مبادرة “ميدياتوبيا”

ورغم أن تنوع الخريطة الإعلامية هو في رأي الكثيرين دليل على ديموقراطية الدولة، لكنه قد لا يكون الخيار الأمثل لكثير من الأنظمة الحاكمة في أوقات الأزمات، إذ يسود اعتقاد بأن تعدد الأصوات قد يؤدي إلى الارتباك والتشوش والبلبلة، بينما الحقيقة هي أن التعددية هي الطريق الوحيد لحفظ الأمن والاستقرار، فحين تنفتح آفاق التعبير عن الرأي، ويرى المواطن نفسه في مرآة الإعلام، تبطل حجته في التمرد والاحتجاج ومخالفة القانون، وحين تخلو الشوارع من مظاهر الغضب، تتركز الجهود في تعزيز فرص الحوار، واستكشاف وعرض وجهات النظر المختلفة، لمساعدة جميع الأطراف على اتخاذ القرارات الصائبة.. وهو مظهر حضاري يليق بكرامة الإنسان، التي حثت على صونها جميع الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.

الرحلة..

▫▫▫

لكن ما هو الضامن لعدم تجاوز الخط الدقيق الفاصل بين التعددية البنّاءة والتعددية الهدامة في المشهد الإعلامي؟ إنه الالتزام بإطار أخلاقي عام، يتسع لجميع التوجهات الصحفية، ويؤشر بوصلتها صوب الهدف الأسمى للدولة بكافة مكوناتها، وهو تنمية الإنسان، ومن ثم تنمية المجتمع والارتقاء به..

وسواء كانت المنصات الإعلامية تقليدية أو رقمية، سواء كانت ملكيتها عامة أو خاصة، سواء كانت أجنداتها حكومية أو حزبية، فإن معيار الفساد والصلاح في تقييم أدائها ونتائجها هو مدى استيفائها للمبادئ الإنسانية والأخلاقية، ومقدار ما تحققه من مصلحة للإنسان، حتى لو على حساب المجد المهني، فالفرد مقدّم على الانفراد (أي السبق الصحفي)، لأن الذات في النموذج الأخلاقي لمهنة الصحافة (ويمثلها الصحفي أو الناشر أو من يمولهما)، لا يجب أن تطغى على الآخر (وهو هنا الجمهور، أو الإنسان بالمفهوم الأوسع)!

ومن الطريف أننا في عالمنا العربي لازلنا نعقد الاجتماعات، ونشكل اللجان، ونصيغ المواثيق، ونحذف منها ونضيف إليها، بحثاً عن هذا النموذج الأخلاقي المفقود، ولا تزال الممارسة الصحفية رغم ذلك محل نقد مستمر، وموضع اتهام دائم!

▫▫▫

وقد راجعتُ – خلال اشتغالي على إعداد هذه المساهمة المتواضعة – مواثيق العمل الإعلامي في عدد من الدول العربية، لاختبار مدى تركيزها على البعد الإنساني في الأداء المهني.

وكما لاحظتُ، ونلاحظ جميعاً، فإن المساحات الإنسانية المشتركة في هذه المواثيق كبيرة، وهو ما دعا لصياغة ميثاق عربي موحد في تونس عام 2013، دعا إلى التسامح ونبذ العنف والالتزام بأدب الحوار وقبول الآخر، وحماية الطفل، والارتقاء بصورة المرأة العربية بما يعكس واقعها وليس ما يروج عنها في الغرب، إلى جانب التركيز على قيم أخلاقية عامة، مثل الأمانة، والموضوعية، والصدق، والدقة، والاستيفاء من أجل إعطاء كل طرف من أطراف القصة الخبرية حقه.

بينما ركز الميثاق على إشكاليات إقليمية خلت منها المواثيق المحلية، منها صون الهوية، والحفاظ على اللغة العربية، والاهتمام بقضايا الوطن العربي وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتضامن العربي، والعمل العربي المشترك، والتعريف بالوطن العربي بما يليق به، واحترام سيادة الدول العربية.
لدينا كنوز في المواثيق الأخلاقية العربية، فماذا ينقصنا إذن لكي نرى مشهداً إعلامياً بنفس الكفاءة والبلاغة، ينتصر للإنسان، ويقبل ويحترم الآخر؟

إنه غياب التدريب والتأهيل، وهو واجب على المؤسسات التعليمية والإعلامية على السواء، إذ ينبغي غرس بذرة المبادئ الإنسانية في نفوس المشتغلين بالإعلام منذ بزوغ موهبتهم، وهو ما يعني إحياء جماعات الصحافة المدرسية، واحتضان المواهب الصحفية المبكرة، ثم تشديد معايير قبول الطلاب بكليات الإعلام، وتقليل أعدادهم بما يضمن نيلهم جرعات تدريبية كافية أثناء الدراسة، وتلقينهم المواثيق الأخلاقية بنفس قدر الاهتمام بتمكينهم من أدوات المهنة، وإلحاقهم ببرامج مكثفة ومستمرة للرعاية النفسية والتثقيف والتشبيك مع رموز العمل الإنساني من أجل تشكيل مثلهم العليا، وإطلاعهم عن قرب على بعض صور المعاناة الإنسانية، وإشراكهم في وضع وتنفيذ الحلول لها، وبعد دخولهم إلى سوق العمل تتولى مؤسساتهم مهمة التدريب المستمر بشكل دوري ومتجدد..

▫▫▫

‎ويبقى التركيز على الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية هو الضامن لبقاء الصحفي على المسار الصحيح، مسار الإنسانية والرسالة الإيجابية، حيث تسير عربة الصحافة، متبوعة بقطار المجتمع، بثقة وانطلاق، نحو وجهتها الأولى والأخيرة: كرامة الإنسان، ورخاء الشعوب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى