الحنين إلى الماضي.. كيف تساعد «النوستالجيا» في تخفيف آلام الجسد؟
«نقل فؤادك حيث شئت من الهوى، ما الحب إلا للحبيب الأول.. كم منزل يألفه الفتى، وحنينه أبداً لأول منزل»، بهذه الأبيات الجميلة للشاعر أبو تمام، ندرك قيمة شعور الحنين والارتباط بالذكريات والأماكن والأشخاص الذين فارقونا منذ زمن، لكنهم مازالوا يشكلون جزءاً من هويتنا وكياننا.
هذه الحالة من حنين الذكريات، أو كما يطلقون عليها «النوستالجيا»، لا تبعث فينا السعادة فقط، وإنما أثبتت دراسات علمية مؤخراً، أنها يمكن أن تقلل من شعورنا بالألم.. وعبر السطور التالية، تصحبكم منصة «كلمتنا» في رحلة عبر ذكريات الماضي، لمعرفة ما هي «النوستالجيا»، وكيف يمكنها تخفيف الألم، وإعادة صياغة التجارب المؤلمة.
أصل كلمة «نوستالجيا»
تعني كلمة «نوستالجيا» الحنين إلى الماضي، أو العملية التي نقوم فيها باسترجاع اللحظات والأوقات السعيدة من الذاكرة، وهي مشتقة من كلمتين باليونانية، (nostos) وتعني الرجوع، و(algos) وتعني الألم، وقد يؤدي عطر ما، أو هدية، أو صورة فوتوغرافية، إلى إثارة هذا الشعور بالحنين للماضي، خاصةً في ظل المرور بالتجارب المؤلمة القاسية، مما يجعلنا نرغب في العودة للأوقات القديمة، لاسترجاع الشعور بالسعادة، حيث يري الفرد ذكرياته بنظرة وردية.
تغيير المفهوم
في الماضي، كان يظن العلماء أن الانغماس في الماضي يؤثر على معيشة الفرد وتقبله لواقعه، ويدخله دائرة المقارنات، مما يؤدي للإصابة بالاكتئاب، لكن ما أكدته الأبحاث أن النوستالجيا تشكل محفزاً قوياً للشعور بالتفاؤل بشأن المستقبل، كما أنه يمكن استخدامها كوسيلة علاج لمساعدة بعد الأشخاص على تجاوز التجارب المؤلمة، أو تجاوز الصدمات الحياتية، بل وإعادة صياغتها.
وأثبتت العديد من الأبحاث العلمية أن النوستالجيا لا ترافقها الكآبة، كما كان يعتقد في الماضي، لكنها من الممكن أن تشكل دافعاً قوياً لدى الإنسان لتحدي الصعوبات، والتأقلم مع الأوضاع المؤلمة المختلفة، والتحلي بالمرونة النفسية.
تأثير الذكريات السيئة
ويبقي سؤال مهم، هو كيف يمكن لذكرى سيئة، أو تجربة قاسية حزينة ذات نهاية مؤلمة، أن تبعث على التفاؤل أو السعادة، عوضاً عن التفكير في الهروب منها ودفنها في طيات العقل الباطن ونسيانها للأبد؟.. هنا أشار العلماء إلى أن بشاعة وقسوة الماضي تخدم الإنسان بصورة إيجابية، لأنها تجعله يدرك أن الزمن لا يعود للوراء، وما مضى قد مر ولم يبق منه سوى الدرس المستفاد، وهذه الأمور تحسن حالته المزاجية والنفسية، بعد أن يدرك كم المحن والصعوبات التي مرت به، وخلقت منه شخصاً قوياً قادرًا على تخطي كل ما هو صعب.
تخفيف إدراك الألم
وأكدت الأبحاث أن النوستالجيا، أو الحنين إلى الماضي، يمكنه تخفيف إدراك الألم لدى الأشخاص، ووجد أن إثارة الذكريات المختلفة يضعف من شعورهم بالألم، كما ثبت إن مشاهدة الإنسان للصور والمنازل والألعاب القديمة، يقلل النشاط في المناطق المرتبطة بالألم داخل الدماغ، لكن غالبية الأبحاث ترى أنه لا يمكن تعميم هذا الأمر، لأن تذكر الأحداث والأشخاص والتجارب، وخاصة العاطفية، يختلف بين الأفراد.
اقرأ ايضاً: بين السعادة والقلق.. لماذا نحلم أثناء النوم؟