«جابر عصفور أستاذًا وناقدًا».. نقاش في إطار مؤتمر الاحتفاء به في الأعلى للثقافة
تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وبأمانة الدكتور هشام عزمى، أقام المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مؤسسة سلطان بن على العويس: الملتقى الدولي جابر عصفور الإنجاز والتنوير، واستكمالا لفاعليات اليوم الأول من الملتقى عقدت الجلسة الأولى فى تمام الساعة الثانية ظهرا تحت عنوان: “جابر عصفور أستاذًا وناقدًا”، وأدارها الكاتب السعودى عبد العزيز السبيل، وشاركت بها من المغرب الروائية زهور الكرام، ومن مصر شارك كل من: الدكتور أحمد درويش؛ أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، والدكتور طارق النعمان؛ أستاذ البلاغة والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة، والناقد الأدبى الدكتور محمد بدوي.
تحدث الناقد الدكتور محمد بدوي مشيرًا إلى علاقة الدكتور جابر عصفور بالشعر؛ حيث أوضح أنه كان عرف عن الشعر كثيرًا، وأوضح أنه كذلك كان عميق المعرفة بتراث الأمم المجاورة؛ فقد استوعب إنجاز المفكر الإغريقي الشهير أرسطو في كتابه: (فن الشعر)، وظهر ذلك جليًا في كتاباته وتراثه البلاغى والنقدى، بجانب الأسس الجمالية التي طالما كان يتبناها، وتابع مؤكدًا أنه درس الشعر عند العرب بمفهومه البلاغى، وكان اهتمامه بالحداثة كاشفًا لقضية ظلت هى الشاغل الأساسى في فكره.
وفي مختتم حديثه أكد أن عصفور الذى ظل وفيًا لقضية الحداثة، وكان الجميع يعلمون منجزاته الكبيرة فى عالم النقد الشعرى، وما يتصل بذلك بمشروعه النقدى الذى اتسع للعديد من الشعراء باختلاف مدارسهم الشعرية، من بينهم أمل دنقل وأدونيس، علاوة على مقالاته عن محمد الماغوط.
فيما أشار الناقد الدكتور أحمد درويش إلى أننا فى رحاب ملتقى ثقافى عربى مهيب، لكى نكرم شخصية ثقافية بارزة، وهو الدكتور جابر عصفور الذى عُرف بسماته الأساسية أنه كان رجلًا من عامة الناس، جاء إلى القاهرة وما فيها من ثقل ثقافى كبير، قادمًا من مسقط رأسه المحلة الكبرى، شأنه شأن غالبية سائر القامات الثقافية المصرية المعروفة، الذين أنجبتهم قرى ومحافظات صعيد مصر ودلتاها، وقد تسلح عصفور بوعى ثقافى كبير تملكه نحو التغيير.
كما أوضح أنه كان معه منذ يومه الأول كمسؤؤل ثقافى كبير، وعمل تحت قيادته بالمجلس الذى شغل منصب أمانته، وترأس درويش لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس، وأوضح في مختتم حديثه أن عنصر المسؤول الثقافي لعب دورًا مهمًا فى مسيرة عصفور، ودفعه هذا إلى أن يكون دائم البحث عن مواضيع ثقافية مهمة، وظل يمارس التمرد، الذى فرضه عليه منصبه، هذا التمرد بين المفكر والمسؤول.
ثم أوضح الدكتور طارق النعمان أن تراث جابر عصفور ممتد وسيمتد إلى ما شاء الله، فجابر عصفور متعدد الوجوه، متعدد المرايا، متعدد الأسئلة، لديه بركان من الأسئلة ظلت تراوده وتتردد بداخله منذ كان في الجامعة التي كان يؤمل من خلالها تحقيق أحلامه في التنوير.
وفي حقيقة الأمر فرض مناخ الجامعة على عصفور أن يتخذ مساره الخاص، والخاص جدا، وموقفه قد يبدو للكثيرين غير عادي، بل إشكالي، وكثيرون من ادانوا عصفور، ومع ذلك ظل له حضوره الطاغي كمثقف.
وحين تولى أمانة المجلس الأعلى للثقافة استطاع من خلال دوره ذا أن يعيد إلى مصر مكانتها بين شقيقاتها من الدول، وأوصى النعمان أن تكون الدورة المقبلة من ملتقى الرواية العربية وجائزتها باسم جابر عصفور، فجاءه الرد الفوري من الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، أن ذلك قد تم إقراره بالفعل، ثم تطرق نعمان إلى ذلك الصراع بين مبدأ الرغبة ومبدأ الواقع لدى عصفور، مشيرا إلى أنه قد أفرد له مساحة في كتابه الذي صدر فور رحيل عصفور.
فيما أوضحت الروائية المغربية زهور الكرام أن الدكتور جابر عصفور لم يكن يعتبر النظريات الغربية هى المركزية، وكان دائما ما ينادى بعودة المركزية الثقافية العربية، وأشارت إلى أن تاريخية المفهوم تُعد أبرز الرؤى التى اعتمدها عصفور، كما أنه طرح على الواقع الثقافي العربى العديد من الأطروحات والتساؤلات الجريئة، كانت ولازالت تفضى إلى أننا نعيش واقعًا خطيرًا، ولابد أن نستكمل هذا الطرح وما يحمله من رؤى ترتبط بواقعنا الآن، وفى مختتم كلمتها أكدت إعجابها بمشروع عصفور حول الاستمرارية الثقافية، والاهتمام بالتنمية المستدامة.
وتقدمت الدكتورة هالة فؤاد بمداخلة حول نوع آخر من الصراع لدى الراحل الكبير، فقد أبدت ملاحظتها أن عصفور كان منحازًا للشعر بشكل خاص، وأظن أنه ممن أدخلوا شعراء بأسمائهم إلى الحياة الثقافية، ومع ذلك فهو من صك مصطلح “زمن الرواية”، فهل كان ذلك نوعًا من الصراع الخفي بداخله؟
مشيرة إلى أن عصفور كان ثري المخيلة، ويبدو أنه كان يخشى من جموح الرغبة، فيفتتها من خلال مصطلح الرواية، فإلى أي مدى كان يشكل الشعراء (صلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، وأدونيس، ومحمد عفيفي مطر) نمطًا حقيقيًّا من الوعي الحداثي؟
فهل كان مأزق عصفور أن الرواية تغطي مجالًا أرحب من المشروع الشعري؟، وقد ألمحت إلى مصطلح “رؤى العالم”، وكيف أن عصفور عندما حاول أن يصك ذلك المصطلح في الشعر فقد كساه صبغة تاريخية، وبالتالي فقد قدم رؤية خاصة مثلما فعل مع مصطلح “التنوير”، واختتمت مداخلتها بأن عصفور في كتابه: “تحديات النقد المعاصر، قد وصف علاقة الناقد بالتيارات الغربية، وكيف ينبغي أن تكون، مؤكدة ان عصفور كان رجلا مستقبليًّا بامتياز.