كاتب ومقال

كبسولة عم فؤاد| الحياة لا تعطي دروسًا مجانية

الحياة شيء جميل عندما نتحدث أو نقرأ عنها في الكتب، ولكن في أوقات معينة وبالتحديد عندما نختبرها بأنفسنا سنجدها شيئا مرعبا.

وليكن معلوما لنا أن كل الأشياء الجيدة فيها تأتي بصعوبة، وأن هناك حكمة لا ندركها وراء كل شي أو حدث يصل إلينا أو نقابله، فكم هو ساذج من تبدو له الحياة بسيطة.

كلنا مرت علينا تجارب قاسية تعلمنا منها الكثير، فهي لا تعطينا دروسا ومواعظ مجانية لكي نتعلم منها، لكنها تعدنا لتختبرنا وما أصعب اختبارها فهو ليس عن طريق السؤال والإجابة والورقة والقلم، بل إنه سلسلة من التجارب والمواقف العملية الحقيقية التي نتعرض لها من خير أو شر وتضعنا على المحك.

فالاختبار هنا نوع من الأحداث التي سيمر بها الإنسان ويضع فيها نفسه أو يوضع فيها رغما عنه، ولكنه في ذات الوقت يجب أن يتعامل معها، وعن طريق تصرفاته وردود أفعاله تكون النتيجة.

ولنعلم أن تتابع الأيام ذاتها اختبار سواء كانت بالغني أو الفقر، فالغني والفقير مطلوب من كلاهما أن يجتازا ذلك الاختبار، والإجابة هنا ليست اختيارية بل إجبارية فلابد من الإجابة على جميع أسئلته.

وليكن معلوما أنه شامل فلا يقتصر فقط على المعاناة أو المرض أو حتى شظف العيش، ربما كان النقيض أشد صعوبة، فهل نستطيع نسيان اختبار قارون وكيف رسب فيه بجدارة برغم سعته وعلمه، في الوقت الذي نرى النقيض في اختبار أيوب فقد نجح فيه بتفوق رغم مرضه وفقره وابتلاءته؟

ومن هنا نعلم أن عديد من الاختبارات يتم اجتيازها بنجاح ساحق، رغم كل الظروف التي قد تبدو في أول وهلة أنها مستحيلة.

من منا لا يرى في اختبار “ديل شرودر“ الذي ولد فقيرا في ولاية آيوا الأمريكية، ولم ينل حظه من التعليم لضيق ذات اليد، وعمل على مدار 60 عاما كنجار محلي وكرس مجهوده وأمواله من أجل هدف نبيل وهو تغير حياة الكثيرين.
وعمل على هذا الحلم حتى فارق الحياة بعد أن أوصى بوضع مدخراته في مكانها الصحيح حيث تذهب لأجل مساعدة عشرات الطلاب على إتمام مرحلة التعليم الجامعي بنجاح، بما يشمل ذلك من تكاليف مصروفات وكتب وإقامة على مدار 4 سنوات كاملة لكل طالب.

وما أقسى اختبار الفلاحة المصرية “مبروكة خفاجي” تلك السيدة الفقيرة الأمية التي طردها زوجها في الطريق وجعلها بلا مأوى ولاتملك من حطام الدنيا شيئا، ولكنها نجحت أن تجعل من ابنها أسطورة يتذكرها التاريخ، ألا وهو الجراح “على باشا إبراهيم”.

لاجدال ولاشك في صعوبة اختبار مبروكة ولكن الاختبار الأصعب كان من نصيب “بهية”، والتي كانت إحدى فتيات بني سويف فظروف الحياة كانت في منتهى القسوة لدرجة جعلتها تتخلى عن الطبيعة التي خلقها الله عليها، حتى تستطيع أن تتأقلم مع الظروف الصعبة التي أجبرتها الحياة عليها، فتخلت عن أنوثتها من أجل لقمة العيش بعد أن تعرض زوجها لحادث أبعده عن العمل، ما اضطرها للخروج للعمل في العديد من المهن التي تصعب على قريناتها، من بينها سائقة تروسيكل وعاملة بناء، من أجل توفير عيشة كريمة لزوجها وأبنائها.

بهية اختارت بكامل إرادتها اجتياز اختبارا في منتهى الصعوبة، ولم تهرب كغيرها من المواجهة أو اختارت أسهل الطرق لاجتيازه.

كلنا نعلم أن الإيمان بالقضاء والقدر مفروض علينا، ولكن قليل منا من يعرف أن الإنسان خلقه الله في كبد، ومعنى ذلك أن على الإنسان العمل على مواجهة التحديات التي تقف في طريقه بكل طريقة ممكنة، ويعتبرها اختبار قد وضعه الله في طريقه وعليه أن يبذل ما في وسعه لاجتيازه بنجاح.

وهذا ماحدث مع الفنان التشكيلي دكتور “رضا فضل” الحاصل على دكتوراة في الرسم بفمه وقدمه، بدأت رحلة دكتور رضا فضل في الرسم بالفم والقدم منذ الخامسة من عمره، فرغم الإعاقة الجسدية في يديه والتي ولد بها، إلا أن إرادته وعزيمته لم تكن سوى دافع له نحو التميز والنجاح، لتبدأ مسيرة كفاحه مع محاولات الإمساك بالقلم في ظل عدم امتلاكه يداً يمسك ويكتب بها، ومن هنا بدأت المسيرة.

واعتبر الفنان التشكيلي الإعاقة التي ولد بها (مبتور اليدين) هبة وامتحاناً من الله تعالى، وأن إعاقته لم تقف عائقاً أمام أحلامه وطموحاته، وأن الله تعالى عوضه عن الإعاقة بموهبة الفن التشكيلي منذ صغره، حيث بدأ يمسك بالقلم والفرشاة، ويرسم بمساعدة أخته التي تكبره في السن، بالإضافة إلى تشجيع والديه له ومساعدته في الاعتماد على نفسه.وبدا المشاركة في مسابقات الرسم من المرحلة
الاعدادية والتحق الفنان التشكيلي بقسم التربية الفنية بجامعة الأزهر بعد اجتيازه امتحان القدرات، وصقل موهبته بالدراسة الأكاديمية، فحاز المركز الأول على دفعته في كل سنوات دراسته الجامعية، وتخرج في كلية التربية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.

وقد حصل على الدبلوم التكميلي من كلية التربية الفنية بجامعة حلوان في عام 2007 بتقدير امتياز، ثم حصل علي الماجستير والدكتوراة ببحثين مرتبطين بذوي الهمم، الماجستير حول «الفنانين من ذوي الإعاقة الذهنية»، أما موضوع الدكتوراة فكان عن «الرسامين بالفم والقدم»، وهو أول باحث في الوطن العربي يحصل على الدكتوراه في مجال التربية الفنية من أصحاب الإعاقة الحركية، ومن كلماته “أنا أكثر واحد عايشت هذه التجربة، وأكثر واحد يمكن أن يقدم هذه التجربة ويقوم بعمل بحث فيها”.

ننهي المقال باختبار في منتهى الصعوبة من الناحية الإنسانية، فالفقد بالموت أصعب ما يمر على الشخص، ولكن ماذا لو كان المفقود فلذة الكبد، فلذا هو واحد من أصعب الاختبارات وقد ولا يستطيع الكثيرون اجتيازها، ولكن تجاوزت عائلة “ستونر” مأساة وفاة طفلتها جايد البالغة 7 سنوات، فقررا أن يتبرعا بأعضائها الصالحة للاستخدام لأطفال آخرين يحتاجونها.
فياله من اختبار صعب..

هؤلاء على سبيل المثل لا الحصر وغيرهم كثيرا تمكنوا من اجتياز الاختبارات الصعبة بل المجحفة،
ولا يستحضرني غير قول مارتن لوثر كينج
“الحياه مليئة بالحجارة فلا تتعثر بها، بل اجمعها وابن بها سلماً تصعد به نحو النجاح”.

بقلم
عمرو مرزوق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى