كاتب ومقال

دار في خاطري| الكلب والذئب

يحكى أنه في قديم الزمان وفي إحدى البقاع النائية كان هناك قصرا قائما بين الغابات تقطنه عائلة كبيرة، ولكنها لم تكن ميسورة الحال، وكان القصر يبدو كصخرة عملاقة نحتت بدقة وعناية لتكون شاهدا على وجود الإنسان في تلك البقعة الموحشة التي لا يتخيل أحد وجود الإنسان فيها.

وفي أحد الأيام مر ذئب ضخم أمام ذلك القصر فوجد كلبا صغيرا يجلس أمام بوابته الحديدية، وما إن رآه الكلب حتى راح ينبح بصوت عال، وعندئذ عوى الذئب بصوت منخفض وقال للكلب بنبرة تنم عن خبث ومكر: إهدأ يا صغيري فأنا لم آتي لشر، بل أتيت لأرى هذا القصر الكبير، فقال الكلب: لن تخدعني براءتك المصطنعة، هيا اذهب من هنا فهذا أفضل لك.

جلس الذئب أمام الكلب وقال له بسخرية: ماذا تفعل هنا؟! فقال الكلب: كما ترى أحرس القصر وأصدقائي البشر وأحميهم من شر أمثالك، فضحك الذئب بخبث وقال: وما المقابل يا صغيري؟! قال الكلب: الوفي لا ينتظر مقابل الوفاء، كما أنهم يقدمون لي الرعاية، فضحك الذئب وقال متهكما: أتسمي بقايا الطعام ووعاء الماء الذي يبقى أمامك حتى يتلوث رعاية؟!

نظر الكلب إلى وعاء طعامه الفارغ ووعاء الماء الذي لم يبقى به سوى القليل وقال: لن تفهم شيئا يا عدوي اللدود، إن ما يقدمونه لي هو كل ما باستطعاتهم، وإن كان بإمكانهم تقديم المزيد لفعلوا، فقال الذئب: يالك من أحمق لا تفهم البشر، إنك لديهم أيها الوفي رمزا للذلة والمهانة، ألم تسمع اسمك يوما في تحقيرهم بعضهم البعض؟! نظر الكلب إلى الأرض وقال أجل! ولكن … فقاطعه الذئب قائلا وهو يرفع رأسه إلى أعلى وينظر إلى السماء: أما أنا فلم يحدث معي هذا أبدا، لأنهم يخشونني، فأنا لديهم رمز الدهاء، فعندما أعوي ترتعد أوصالهم، ويلوذون بالهرب، فنادرا ما تجد بينهم الجريء الذي يواجه الذئاب، فدعني أخلصك منهم لتبقى حرا في البرية.

شعر الكلب باشمئزاز من كلام الذئب وصاح به قائلا: لن أدعك تؤذي أصدقائي، هيا اذهب من هنا أيها الخبيث، أتتباها بشرك وأذيتك لغيرك؟! ثم راح ينبح بصوت عال فابتعد الذئب وصار يلاحقه حتى ابتعد كثيرا عن المكان، فعاد الكلب مسرورا بصنيعه يقول لنفسه أن البشر سوف يسعدهم ما فعله.

مر الذئب أمام القصر بعد عشر سنوات، فوجد الكلب الذي أصبح عجوزا مازال جالسا أمام القصر يلعق حينا في وعاء طعامه الفارغ، ويلعق أحيانا في وعاء الماء، لعله يجد قطرة ماء تروي ظمأه، فقال له الذئب ساخرا: أمازلت تحرسهم أيها الوفي؟! فنبح الكلب بصوته الذي أصبح ضعيفا، ثم قال: أهذا أنت؟! ابتعد من هنا أيها الشرير، قال الذئب: لقد أتيت لأقدم لك عرضي مجددا، دعني أقضي عليهم ولتبقى حرا في البرية، قال الكلب: سأبقى وفيا ما حييت، فقال الذئب: لقد تحسنت أحوالهم، فلم يقدموا الأفضل، بل قللوا طعامك، قال الكلب: لا يهم، سيأتي يوما يعلمون فيه ما صنعت من أجلهم، فقال الذئب بعد عواء عال: إن البشر يقدرون من يؤذيهم، ويهينون من يقدرهم.

وعندئذ استيقظ صاحب القصر على صوت عواء الذئب، فخرج مسرعا حاملا مسدسه، ليجد الذئب واقفا أمام الكلب، فأطلق عليه النار، ثم نظر إلى الكلب وقال: لقد أصبحت عجوزا لا تقوى على طرد ذئب، فأطلق عليه النار، ثم قال: سأحضر غدا كلبا شابا، ثم عاد أدراجه إلى داخل القصر.

قال الذئب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: أرأيت تقدير البشر ومكافأتهم لك؟! فقال الكلب: كفاني أن أموت شريفا، أما أنت فإنك تموت ميتة العدو المطارد الذي يخشى الجميع شره.

بقلم: ريم السباعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى