حكاية شارع| خان الخليلي وتجارة الأمير جهاركس نابش القبور
تزخر مدينة القاهرة بالمناطق الأثرية الجميلة التي تحمل أسماء لا نعرف معناها ولا سبب تسميتها بهذا الاسم، ووراء كل شارع قصة تقدمها لكم منصة كلمتنا في سلسلة حكاية شارع، واليوم موعدنا مع حكاية خان الخليلي والذي يقع حاليًا بين جامع الحسين وشارع المعز ويعد من أبرز آثار العصور الفاطمية والمملوكية.
مصدر إلهام الأدباء
ظل خان الخليلي ملهمًا للأدباء والفنانين ويحرض دائماً أخيلتهم دائمًا على الإبداع مثلما كتب نجيب محفوظ روايته “خان الخليلي” من وحي أجواء الحي القديم، ولم يتأثر خان الخليلي بعوامل الزمن.
تاريخ المكان
وكان موضع خان الخليلي في تربة القصر الشرقي الخاص بالخليفة المعز لدين الله الفاطمي، والتي كان يقع فيها قبور الخلفاء الفاطميين المعروفة باسم “تربة الزعفران”، وقام الأمير “جهاركس الخليلي” بتدمير هذه المقابر، وبنى مكانها هذا الخان عام 1382م، ولايزال المكان يعرف باسمه حتى الآن.
شكل الخان
والخان عبارة عن مبنى على شكل مربع كبير، ويحيط بفناء يشبه الوكالة، فيما تضم الطبقة الوسطى منه محلات، أما الطبقات العليا فتحتضن المخازن والمساكن.
الأمير جهاركس الخان
هو من أمراء الدولة المملوكية في عهد السلطان الظاهر برقوق، وكان مقربًا إليه ويحمل لقب “أمير أخور” وينسب إلى مدينة الخليل بفلسطين، وكان المشرف على الاسطبلات والبريد، ويذكر المقريزي أن الأمير جهاركس كان خبيرًا بأمر دنياه وكثير الصدقة، وكان الخان يقوم على عمل خبز يفرق بمكة على كل فقير منه في اليوم رغيفان، وعمل ذلك لمدة سنوات ثم لما عظمت الأسعار بمصر وتغيرت نقودها منذ عام ست وثمانمائة صار يحمل إلى مكة مال ويفرق بها على الفقراء.
قصة بناء الخان
عندما أراد الأمير جهاركس الخليلي أن يبني لنفسه خاناً كبيرًا تمارس فيه شتى أنواع التجارة وبحث عن موضع مناسب رأى أن يشيد الخان على موضع قريب من مسجد سلطانه “الظاهر برقوق” بالقرب من ميدان بين القصرين بشارع المعز، ولم يكن هناك شيءٍ ليعيقه عن قراره سوى أن الأرض التي اختارها تحوي رفات الفاطميين، وهو ما كان يستدعي نبش قبورهم للبدء في البناء، وهو قرار لم يكن من السهل اتخاذه دون مسوغ شرعي.
وكان للخليلي صديق يدعى الشيخ “شمس الدين محمد القليجي” وهو شيخ حنفي يعمل بالافتاء، فتوجه إليه جهاركس وسأله الرأي الشرعي في نبش القبور التي تعيق إنشاء مشروعه، فما كان من القليجي إلا أن أفتاه بجواز إزالتها وإلقاء ما بها من رفات.
نهاية الأمير جهاركس
كانت نهاية الأمير جهاركس مثيرة وتستدعي التوقف، وهي نهاية اعتبرها “المقريزي” أفضل جزاء على ما فعله من نبش لقبور الموتى والاستهانة بها.
فقد أمره السلطان برقوق بترأس جيش ضم 500 مملوك، والتوجه بهم إلى دمشق لمواجهة بعض الأمراء الذين خرجوا على السلطان، في “معركة الناصري” عام 1389م، إلا أن جنود السلطان هزموا بسبب خيانة بعض القواد للخليلي وفرار الباقين.
وقد قتل الأمير جهاركس في هذه المعركة، وقد ذكر المقريزي “وقتل الخليلي في يوم الاثنين حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة احدى وتسعين وسبعمائة، وترك على الأرض عاريًا وسوءته مكشوفة، وقد انتفخ وكان طويلًا عريًضا إلى أن تمزق وبلي عقوبة من الله تعالى بما هتك من رمم الأئمة وأبنائهم”.
هدم الخان
قام السلطان الغوري في يوليو عام 1511م بهدم خان الخليلي وأنشأ مكانه حواصل وحوانيت وربوعاً ووكالات للتجار يتوصل إليها من ثلاث بوابات، وقد هدمت هذه الحواصل والحوانيت وأعيد بناء الخان بعد ذلك.
اقرأ ايضاً: حكاية شارع| درب قرمز.. ما علاقته بنجيب محفوظ؟