انطلقت الطائرة مغادرة أرض المطار، محلقة في السماء، متجهة إلى وجهتها الجديدة، حاملة على متنها أناس من كل حدب وصوب.
مر بعض الوقت في الطائرة على ما يرام، والمسافرون كل منهم هادئا مطمأنا، يشغل وقته كما يحلو له، فمنهم من جلس يقرأ كتابا، وآخر قرر النوم، وهذا يلعب ألعابا إلكترونية على هاتفه في صمت، وذلك راح يتناول بعض الوجبات الخفيفة، وهذه المرأة شغلت نفسها بالحديث مع رفيقتها، بينما تلك انشغلت بطلبات أطفالها.
كان هناك رجلا عجوزا جالسا في صمت ينظر إلى بلورة كريستالية في يده ولا يفعل أي شيء، لم يلقى أي اهتمام من أحد حتى لحظة معينة أصبح فيها محط أنظار الجميع.
لقد كانت تلك اللحظة هي لحظة تسرب خبر تعطل أحد محركات الطائرة، وعليها ملأ الذعر قلوب المسافرين، وراح كل منهم يتساءل في فزع أين المفر؟! إلا ذلك الرجل صاحب البلورة، فقد ظل هادئا صامتا ساكنا، وكأنه لا يدرك ما يحدث، ولا يعي ما يقولون.
نظر الجميع إليه في دهشة وعجب، حتى سأله أحدهم قائلا: ألست خائفا يا والدي؟! فقال الرجل بهدوء: من أي شيء أخاف يا بني؟! فقال: ألا تشعر بالخطر الذي نحن بصدده؟! فقال الرجل: لا! بالتأكيد، فتعجب الجميع من رده وقالوا جميعا في دهشة: كيف؟!! فضحك الرجل بصوت عال وقال: انظروا إلى بلورة الكريستال هذه!! إنها بلورة عجيبة، فأي مكان آخذها معي فيه، يصبح مكانا آمنا لا يحدث لي فيه أي مكروه أو سوء، ليس أنا وحسب، بل وجميع من معي في ذلك المكان، فكونوا مطمئنين لن يصيبنا أي مكروه، وسوف نصل بسلام.
جلس جميع المسافرين في أمان واطمئنان، فقد أراحتهم كلمات العجوز، وعاد كل منهم لما كان عليه قبل نوبة الذعر والفزع، وأخيرا وصلت الطائرة إلى وجهتها، فقد زال الخطر، وأصبح الجميع في أمان.
وهنا التفوا جميعهم حول العجوز وكل منهم يود شراء البلورة الكريستالية، وراح كل فرد يرفع في السعر، وعندئذ ضحك الرجل وقال: سوف أبيعها لمن يخبرني بالسبب الحقيقي وراء شرائها، فقال الجميع: بالتأكيد لكي تحمينا من المخاطر، فلقد رأينا ذلك بأم أعيننا اليوم، فقال الرجل بعد أن بدت عليه ملامح الجدية: إن هذه البلورة لا تملك ضرا ولا نفعا، فإن من حفظنا اليوم هو الله عز وجل، فاليقين بقدرته وحده على كل شيء هي التي تيسر لنا كل شيء، وتنجينا من كل شيء، وتحقق لنا كل شيء، وهنا أدرك الجميع سر هدوئه وطمأنينته، فقالوا جميعا: ونعم بالله العلي العظيم.
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: