كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “كعب عالي”

الفستان رقم أربعة وكل مرة تنظر “ميادة” لنفسها في المرآة وتدور حول نفسها لتخلعه بحنق وغضب وتطلب من البائعة رداء آخر مختلف، الخوف متمكن منها أن تشتري فستان يرفضه “صفوت” زوجها، كل الموديلات ضيقة.. أو هكذا تبدو عليها، ما ذنبها أنها تملك جسداً يفيض بالأنوثة؟!

في كل مناسبة تحضرها مع زوجها تعود بأعين باكية وقلب مكسور بسبب عباراته القاسية، كلما لفتت انتباه أحدهم وحدق فيها، انهال عليها زوجها بالصراخ والإتهام بأنها السبب وأن ملابسها دائمًا تجذب أنظار الذكور.

تصمت ولا تملك غير الصمت ولا تجرؤ على تذكيره أنه كان أول المحدقين في جمالها والباحث عن امتلاكه والتمتع به، غيرت شكل ملابسها بعد الزواج وأصبحت تختار الواسع والأكبر بنمرتين، حتى لو جعلها ذلك تبدو غير مهندمة أو أنها ترتدي ملابس مستعارة.

كل ما كانت تريده أن تتجنب الشجار معه ولتؤكد له أنها لا تهتم بغيره ولا يعنيها سوى رضاءه عليها وعلى هيئتها حتى وإن كانت بذلك تتخلى عما عرف عنها من أناقة وشياكة.

نفد صبر البائعة من كثرة التبديل والقياس وصاحت بنوع من الإستنكار،
– طب ما بلاش سواريه خالص يا مدام!،

موقف متكرر تمر به كلما اضطرتها الظروف لشراء فستان جديد لحضور إحدى تلك المناسبات التي تتبارى فيها النساء في إظهار شياكتهم وجمالهم، فستان أسود بأكمام طويلة ورقبة مقفولة هو أفضل الإختيارات، مهما بحثت ولو زارت كل المحلات، لن تجد ما يجعل “صفوت” يصمت ولا يتهمها بالرغبة في الظهور، حتى تجربة التخسيس لم تفعل شئ غير إظهار أكبر وأوضح لأنوثتها الشهية.

في المساء قبل حضور حفل الزفاف المرتقب، لم تجد أفضل من قياس الفستان الجديد أمام زوجها والحصول على موافقته قبل الذهاب، وإن رفض أو رأى فيه ما يعكر صفو رجولته، فليذهب حفل الزفاف إلى الجحيم.

تقدمت نحوه بعد أن إرتدته بخطوات عشوائية متعرجة قلقة ووقفت أمامه وهى تدور حول نفسها ليفحصها من جميع الزوايا كأنها سيارة قديمة مستعملة تبحث عن تجديد الترخيص، مط شفتيه بلا مبالاة والأكمام الطويلة والرقبة المقفولة لم يتركوا له فرصة للرفض أو النقد اللاذع المصحوب بعبارات التلميح بالرغبة في الإستعراض والظهور، فقط أومأ برأسه بإستعلاء وهو يشعل سيجارته ويعود ببصره لشاشة هاتفه.

تنفست “ميادة” الصعداء كأنها انتهت لتوها من إختبار صعب عسير وهى تزفر براحة أن الأمور تسير بخير وكل شئ على ما يرام.

يوم حفل الزفاف وهي تتبطأ ذراعه ولم يفوت الفرصة أن يجد ثغرة ينفذ منها لسيل من النقد والغضب،حذاء بكعب عالي زيادة عن اللزوم، وكأن أنوثتها لم تكن تظهر وتتأكد بدونه!

الحفل صاخب ممتلئ بالحضور و”ميادة” بفستانها المحتشم تبدو مثل الخرزة تجذب الأعين حتى وهى تقف متجمدة تُمسك بذراع “صفوت”،
لا تختفي الشمس ولا يغيب أثرها وإن وقفت في الظل،
هى أجمل الموجودات من النساء، لم تشفع أكمام الفستان لها ولم تُبعد عنها الأنظار، لم يمنعها “صفوت” من حضور الحفل ولم يطالبها بالرحيل، كل ما فعله أن ظل واقفًا يبحث عن تحديق أعين الرجال ليلوم زوجته ويوبخها ويسمعها عباراته رغم إرتفاع صوت الموسيقى والأغنيات.

شقيقة صفوت البدينة ذات البنطال الجينز الواسع تقف في المنتصف أمام مقعدي العروسين وترقص بسعادة للتعبير عن فرحتها بزفاف إبنة عمها، الكل يصفق بسعادة بمن فيهم “صفوت” و”ميادة”، حتى وجدت الأخيرة يد ذات البنطال الجينز تجذبها من يدها لتشاركها الرقص، حاولت الرفض والتمنع وهى تنظر بأعين مرتعبة مفزوعة لوجه “صفوت” ولم تجد غير صمت لا يعبر عن شئ.

الجذب يزداد وصوت التصفيق يرتفع ويتضاعف وتجد “ميادة” نفسها بالوسط ترقص بصحبة شقيقة زوجها، لم تعد للأكمام أهمية ولم ينتبه أحد أن الفستان برقبة مقفولة..

إجتمع الجميع على التحديق بإعجاب وإفتتان بتلك الأنوثة الراقصة وهى تهتز وتتمايل مع الموسيقى، والكعب العالي يجعل كل هزة لخصرها تصبح كزلزال له عشرات التوابع.

دقيقتان من الرقص ببهجة ثم فرت من أعين المحدقين وعادت لتمسك بذراع “صفوت”، لم يوبخها ولم ينطق وهو يعرف أن لا مجال لذلك وشقيقته هى من جذبتها وجعلتها تفعلها وتُهدي المعجبين والمتمنيين لجمالها هذه الوصلة الفاتنة.

يومان وكانت رقصتها مقتطعة من الحفل وتتصدر كل المواقع ويصبح فيديو رقصها أهم وأشهر من خطاب رئيس روسيا الأخير وبيانات الحرب،

الدم يغلي في عروق “صفوت” ويشتعل رأسه بالغضب ويظل يصيح بأفظع الألفاظ وهو يتهمها بكل العهر والشرور ولم يصمت حتى ألقى عليها يمين الطلاق، عقاب تستحقه بعد أن خدعته وإرتدت الكعب العالي دون إذنه وموافقته.

بقلم
أحمد عبد العزيز صالح

Related Articles

Back to top button