كاتب ومقال

دار في خاطري| لماذا تستضعفني؟!

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي

هل جلست يومًا بأحد الأماكن العامة فوجدت من بالمكان تتركز عيونهم وتلتف رؤوسهم صوب نقطة معينة؟! ثم تجد تلك العيون تتحرك مع تلك النقطة المعلقة بها أينما تحركت يمينا ويسارا؟! هل خطر ببالك أن تكون تلك النقطة هي كائنا فضائيا مثلا أو مخلوقا خرافيا؟! هل نظرت إلى تلك النقطة المثبتة بها العيون؟! هل فوجئت بأن من ينظرون إليه هو قعيد أو كفيف؟!

إذا ذهبت إلى أي مكان مستشفيات مثلا، أو حدائق فربما صادفت قعيدا يرافقه أحد أقربائه، أو كفيف يصطحبه مرافق من ذويه، فإذا بالأغلبية العظمى من الحاضرين كبارا وصغارا يتابعونه بشكل ملفت للنظر، وكأنه ليس ببشر مثلهم، والبعض لم يكتف بالنظر وحسب بل يمطرونه بسيل من الكلمات الدالة على التعاطف معه ومع من يرافقه، والدعوات له بالشفاء، ولأهله بالصبر، فيمر في موكب لم يشأ له أن يكون، وما هي إلا دقائق معدودة حتى ينسى الحاضرين أمر ذلك المار، ولكن تبقى نظراتهم، ويتردد صدى كلماتهم في داخله إلى أخر العمر، فقد تركت جروحا لا تلتئم.

إن الإنسان في هذا الكون لم ولن يصل إلى حد الكمال، فكل منا ينقصه أشياء، أو شيئًا واحدًا على الأقل، فهناك من ينقصه شيئًا ملحوظ بالعين ملموس، وهناك من ينقصه شيئًا محسوس، فعلى سبيل المثال لا الحصر: الكفيف، والقعيد، والأبكم، والأصم، ومن فقد أحد أعضائه، فذلك عجز تراه بعينك، بينما قليل الذكاء، قليل الفهم والإدراك، ضيق الأفق، فذلك عجز لا تراه بعينك إنما تشعر به.

فإذا تركنا لعيوننا وحدها التصنيف لأصبح هناك فئة المعاقين، وفئة الأصحاء، ولكن إذا أفسحنا لعقولنا الطريق لأدركت أن من هؤلاء الأصحاء ليسوا كذلك، بل لديهم نقائص محسوسة، فهذه الفئة هي التي تنظر بضيق أفقها، وإدراكها المحدود إلى الفئة الأولى بأنهم عجزة، ومعاقين، بينما هم لا يعانون أي عجز أو إعاقة، فهم غير مدركين بقلة إدراكهم.

فهذا القعيد مثلا لديه ذكاء حاد، وسرعة بديهة تفوق ذلك القادر على الحراك، فإذا تبارى كل منهما في إحدى المباريات الذهنية لكانت الغلبة للقعيد، وهذا الكفيف سريع الفهم، واسع الأفق، بينما ذلك المبصر قليل الفهم والإدراك، فإذا قمت بشرح مسألة ما معقده لكليهما لشعرت على الفور بمناطق النقص والإكتمال لديهما، وهكذا، فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى وعدله أنه لا يفقد إنسانا كل شئ، ولا يهب إنسانًا كل شئ، فالله جل وعلا يعوض فاقد البصر بنور البصيرة، أو ذكاء حاد، أو سرعة بديهة، ويعوض قليل الفهم ببصر حاد، أو سمع حاد، أو قوة في البدن، ويعوض فاقد السمع، ببصر حاد، أو ذكاء حاد، أو قوة بدنية، وهكذا.

إذن فكل إنسان ينقصه شئ، وذلك ليس فقط في نقص وفقد الحواس، والأعضاء، والقدرات الذهنية، بل أيضًا في المواهب والقدرات، فهذا لديه أذنًا موسيقية يميز بها الأصوات والنغمات، بينما ذاك لا يميز، وهذا يجيد تنسيق الألوان، بينما ذاك لا يستطيع تمييز الأخضر من الرمادي، وهذا يمتلك صوتا جميلا، بينما ذاك رسمه جميل، أو خطه جميل- ففي رأيي الشخصي الخط الجميل موهبة وإن إختلفت معي بعض الآراء- وهكذا.

فقبل أن تنظر إلى نقائص الآخرين، فعليك أن تنظر أولًا لما ينقصك، فلابد أن تجده، وإذا لم تجده فاعلم جيدا أن هذا هو في حد ذاته النقص، وحين تجد طفلا ينظر إلى قعيد أو كفيف فعليك أن تنصحه بعدم فعل ذلك بدلا من أن تنظر معه، وإذا أردت أن تدعو للمعاق أو الكفيف، فعليك أن تدعو في صمت، فإن الله سبحانه وتعالى يسمعك، فلا داعي لأن تجرحه وتشعره بأنه عبء على أهله ومجتمعه ولو بمجرد كلمات دعائك.

 

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى