كاتب ومقال

دار في خاطري| الله لن ينساها

كتبت: ريم السباعي

كانت برعما يتفتح حين عصفت بها الأيام، فقسوة الفقر والمرض لم ترحم طفولتها، فقد اختطفتها من عيشها الهانئ وألقت بها بين براثن الشقاء، فتركت فراشها الدافئ، وألعابها المحببة إليها لتخرج في برد الشتاء القارس، والأمطار الغزيرة، والرياح العاتية للعمل من أجل توفير الدواء لأمها التي اضطرت لترك العمل بسبب مرضها، ولتوفير الطعام لشقيقتها الصغيرة ذات الثلاثة أعوام التي كانت نطفة في رحم أمها حين توفى والدهما.

كانت تأخذ العربة الصغيرة تدفعها أمامها وتجوب بها شوارع المدينة منادية بصوتها الطفولي الذي لم يصدح في هذا الكون إلا عقدا من الزمان، فتعلم بأنها قادمة لجمع القمامة، فيبدأ أهل المدينة في إعطائها إياها، وذلك كل يوم بعد الخامسة مساء.

وفي أحد شوارع المدينة كان هناك أربعة أولاد في نفس عمرها أو يزيد بعام أو عامين يلهون ويلعبون دائما في ذلك الوقت، فحين تمر بهم يمضون في إهانتها والاستهزاء بها، والسخرية منها، أما هي فلم تكن تكترث لما يقولون، فكانت تمضي في طريقها وكأن شيئا لم يكن وبداخلها ألم يعتصر فؤادها، ولكنها كانت دائما على يقين تام بأن الله معها، وسيبدل حالها إلى الأفضل.

وفي أحد الأيام بينما كانت تمر بالشارع حيث يلعب هؤلاء الأولاد، وكما يحدث في كل يوم من سخرية واستهزاء يقابله عدم اكتراث، فاشتاط أحدهم غيظا، فراح يرشقها بالحجارة، وينثر عليها التراب.

وعندئذ خرجت عن صمتها وراحت تلومهم على تلك الأفعال والأقوال، وتحذرهم من تكرار ذلك معها، شعر الأولاد بسعادة لما سببوه لها من إيذاء، فراحوا يضحكون ويسخرون أكثر، فتركتهم ومضت إلى عملها الشاق بغصة وألم.

وتمر الأيام تلو الأيام وتختفي من شوارع المدينة في صمت ودون أن ينتبه أحد لغيابها، أو يسأل أين ذهبت، وكيف حالها، وكأنها ظاهرة طبيعية قدرت لها الأقدار أن تظهر ثم تختفي دون أن يهتم أحد لأسبابها، أو معرفة المزيد عنها حتى ولو من باب الفضول.

أما الأولاد الأربعة فقد كبروا وأخلاقهم المتدنية لم تكن كما هي بل ازدادت تدنيا، ففي أحد الأيام نشب شجار بينهم خارج المدينة، وبلغ الشجار أشده حتى وصل إلى استخدام السكاكين، فطعن كل منهم الأخر طعنات نافذة، ونقلوا إلى المستشفى في حال يرثى لها.

وفي المستشفى أجريت لهم الجراحة اللازمة وتم إنقاذ حياتهم، وبعد استعادة وعيهم مرت بهم الطبيبة للاطمئنان عليهم، فشكروها على صنيعها، فابتسمت وقالت: هذا واجبي، ولكن المهم أن تغيروا من أنفسكم، فما حدث هذه المرة كاد أن يودي بحياتكم، فهو لم يكن إيذاءً لمن حولكم وحسب.

تعجبوا من قولها، فكيف لها أن تتكلم معهم هكذا؟! أجل! إنها هي، فلقد عرفتهم بنفسها، إنها هي من سخروا منها وأهانوها، فلقد شفى الله امها، ورزقها من حيث لا تحتسب، وتبدل حالها إلى أفضل حال.

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى