يحكى أنه منذ زمن بعيد عاش في البادية رجل صالح، وعلى الرغم من أنه فقير إلا أنه كان دائما يتصدق بما يفيض عن حاجته، فهو على يقين تام بأن صدقته لن تضيع أبدا.
كان يمتلك ناقة واحدة تأتي له بلبن كثير، فيشرب منه هو وزوجته وأولاده ثلاث مرات في اليوم، فيعوضهم عن الطعام في أيام كثيرة لم يجدوا فيها أي طعام، وعلى الرغم من ذلك فقد كان يتصدق بالفائض من ذلك اللبن.
وفي أحد الأيام استيقظ الرجل فلم يجد الناقة، فبحث عنها في كل مكان، فلم يجد لها أثرا، فحزن حزنا شديدا، وراح يفكر في حاله وحال أولاده دون لبن تلك الناقة، وعندئذ تدخلت زوجته التي لم تكن تشعر بأي حزن أو هم فقالت له: لا تحزن لعله خيرا.
لم يفهم عبارة زوجته واتهمها بأنها لا تستطيع تحمل المسئولية، فهي لا تعي حجم الأزمة التي يمرون بها، فصمتت ولم تحاول الدفاع عن نفسها، فهي تعي جيدا ما تقول، وتوقن بأن الله لن يضيع صنيع زوجها أبدا.
انتشر خبر اختفاء ناقة الرجل الصالح، وبدأ الجيران في مساعدته في البحث عنها، ولكن دون جدوى، فلم يعثروا عليها في أي مكان.
وصل الخبر إلى أحد التجار قد كسدت تجارته وخسر الكثير من الأموال، فقال لنفسه: لماذا تلك الناقة التي تضيع وتختفي هكذا؟! ثم أردف قائلا في غيظ: لقد كنت أنوي اليوم التسلل إلى ذلك الرجل ليلا وآخذها لبيعها، فقد اتفقت مع أحد التجار الكبار على أن يشتري ناقة تعطي لبنا ضعف ما تعطيه أي ناقة أخرى، وقال إنه سوف يدفع لي مبلغا كبيرا من المال يعوض خسارتي، فماذا أفعل الآن؟! إنه قادم غدا، حتى لو أنني وجدتها، وأخفيتها فلن استطيع بيعها، فلابد أنه سيسمع بالخبر، فيعلم بأنها ليست لي.
وفي اليوم التالي وجد التاجر زوجته تحمل إناءً كبيرا مملوءا باللبن وتهم بالخروج، فقال لها: ما هذا؟! وإلى أين أنت ذاهبة؟! فقالت: إنه حليب الماعز لن نتناول منه شيئا اليوم، وسوف أقدمه لصديقتي وزوجها وأولادها لعله يعوضهم عن لبن ناقتهم الضائعة، فحاول زوجها أن يمنعها عن فعل ذلك، ولكنه لم يستطع، فقد أصرت زوجته على تقديم اللبن لهم، وبالفعل ذهبت.
مرت ستة أيام ولم يجد الرجل ناقته، وفي صباح اليوم السابع رآها قادمة من بعيد، فتهلل وجهه فرحا، ولم يتساءل كيف اختفت؟! وكيف أتت؟! وأين كانت؟! فقد كان كل ما يهمه أنه وجدها.
انتشر خبر عودة الناقة بين الناس حتى وصل إلى التاجر، فعادت إليه أفكاره الشيطانية ولكنه سرعان ما عدل عنها وخاصة أن زوجته علمت بخسارته الكبيرة، فدعا الله أن يبارك له في ناقته.
وبعد ثلاثة أيام أتى إلى الرجل الصالح تاجرا كبيرا وقدم إليه كيسا كبيرا مملوءا بالنقود وقال له: لقد وقع اختياري عليك لأعطيك هذا المبلغ من المال، فشكره الرجل وسأله عن السبب، فقال: لقد كنت قادم برفقة ثلاثة أصدقاء منذ عشرة أيام أو يزيد لشراء ناقة، ولكنني حدت عنهم فضللت الطريق، واشتد علي الجوع، والعطش، وحرارة الطقس، فدعوت الله وندرت إخراج هذا المال، فما هي إلا ساعة حتى وجدت أمامي ناقة لا صاحب لها، فارتويت من لبنها، وبقيت في رفقتي لمدة ستة أيام، وفي صباح اليوم السابع اختفت، وفي اليوم نفسه وجدت أصدقائي.
تذكر الرجل كلمات زوجته، وعلم مغزاها، فاعتذر لها عن سوء ظنه بها، وفيما بعد علم بأمر خسارة جاره التاجر والأزمة التي يمر بها فذهب إليه فتقاسم معه المال الذي أتاه، فشكره التاجر وبكى ندما على ما كان ينوي فعله، ولكن الرجل بقي يظن أنه يبكي فرحا لمساعدته له.
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: