“التحدي” كلمة تلقى عند البشر آذان صاغية، وتخرج ما بداخلهم من قوة خفية، فعندما يقال “تحدي” تجد الأغلبية العظمى تتزاحم من أجل الفوز به، فيبذلون من أجله قصارى جهدهم، فقهر التحديات يترك آثارا إيجابية في نفوسهم.
ولكن هل كل التحديات تستحق الخوض فيها لقهرها والحصول على لقب الفوز بها؟ إن هناك تحديات إيجابية، وتحديات سلبية، بالإضافة إلى نوع آخر من التحديات تفرضها الحياة على البشر، فيخوضها كل إنسان بمفرده، والتحديات الإيجابية هي التي دائما ما تأتي بالنفع على من يخوضها، كتحديات القراءة، تحديات نظم الشعر وإلقائه، تحديات رياضية أو فنية، فأمثال هذه التحديات تزيد من خبرات المشاركين، وتنمي روح التنافس بينهم شرط أن يكون ذلك التنافس شريف، فيتم التحدي بنزاهة ويتقبل كل الأفراد أن المنافسة تشمل الفوز والخسارة.
عندئذ يكون التحدي مفيدا، يستحق بذل الجهد من أجله، لذا فهي التي لابد من وجودها بكثرة، ووجود إقبال كبير عليها، واستمراريتها ستزيد من مهارات الأفراد وقدراتهم، وفي الوقت نفسه تزيد من طاقاتهم الإيجابية.
أما التحديات السلبية فهي التي تستنزف قوى الأفراد دون فائدة، كما أن بعضها قد يودي بحياتهم، وللأسف أمثال تلك التحديات تجد إقبالا من قبل الأطفال والمراهقين، فيقدمون على خوضها دون استشارة الأهل فتهلكهم، ولقد انتشرت بكثرة تلك التحديات وراح ضحيتها العديد من الأطفال والمراهقين، والسبب في انتشار تلك التحديات والإقبال عليها هو العالم الذي أصبح منفتحا بسبب الانترنت، وفقدان الأطفال والمراهقين للرعاية والاهتمام والمتابعة من قبل الآباء والأمهات.
فتجدهم يستخدمون الهواتف الذكية والحواسب اللوحية دون أي متابعة، فعلى سبيل المثال تجد طفلا في العاشرة من عمره يجلس وحيدا في غرفته معظم الوقت، منعزلا عن أسرته، رفيقه الوحيد هو هاتفه الذكي، يستخدمه لساعات متواصلة، ولا يعلم أحد من أفراد أسرته ماذا يفعل، وماذا يشاهد، ومع من يتحدث، حتى يأتي يوما ويجدونه ميتا في غرفته، ويكتشف أنه كان يخوض إحدى التحديات السلبية.
إن هناك أيد سوداء هدفها تدمير الأطفال والمراهقين، مستغلة بذلك براءتهم، وطاقاتهم الإيجابية، وروح التنافس التي لديهم، فتطلق لهم تلك التحديات التي يخوضونها دون إدراك أو وعي لمخاطرها وأضرارها.
أما التحدي الثالث فهو تحدي يخوضه الإنسان ليقهر صعوبات الحياة، وهذه ليست مقتصرة على فئة عمرية بعينها، بل سيخوضها الإنسان في أي زمان ومكان، فكم من مريض يتحدى المرض لتستمر مسيرته في الحياة! وكم من متحدي من ذوي الهمم يقهر قيده من أجل حلمه! وكم من إنسان حرمته قسوة الحياة من التعليم، فقهرها وأصبح من المثقفين! وكم من طالب حاد عن طريق رسمه لمستقبله، فتصالح مع دربه الجديد وأثبت كفاءته! وكم من متحديا في العالم للفقر، والجوع، العجز، والتشرد، والحروب، والدمار!
إن المرء دائما يجد أمامه التحديات، ولكن عليه أن يختار التحدي الذي يعلي شأنه إذا كان له الاختيار، وإن لم يكن فعلى أقل تقدير أن يبقيه إنسانا سويا، باستطاعته الاستمرار حتى النهاية بسلام، ولا يخوض تحديات صعبة مهلكة لا نفع منها، وفي رأيي فإن أصعب التحديات وأفضلها في الوقت نفسه، هي تحدي الإنسان لذاته، إن نفسك هي التي تستحق أن تتحداها، وتنافسها، وتتفوق عليها، فتجدها أكثر من يسعد من أجلك حين تفوز بالتحدي.