كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “البحث عن بديل”

للمرة الثالثة تنتابه نفس المشاعر، ينطلق ويُلقي بنفسه في أحضان قصة جديدة، مغامرة عاطفية جديدة بلا حسابات، فقط يستخدم عباراته المعتادة الجذابة التي قلما تفشل، وبعدها يجد نفسه في علاقة جديدة مع إحداهن وهي تتصور أنه غرق في حبها حتى رأسه، بارع في الكذب.. مهارته في الإقناع وتمثيل الغرام لا يضاهيه فيه أحد، المرة الثالثة مع جميلة جديدة..

الغرام يشتعل بسرعة أكبر من سرعة نشوب الحروب بين الدول المتجاورة، غزل.. قصائد تقطر غرامًا وهيامًا، سرعة شعوره بالملل أسرع من شعوره بالانجذاب في البداية، الحسناوات في كل مكان من حوله، كلهن ذوات سحر وجاذبية، لكنه لا يجدها في أي منهن، في كل محاولة يبحث عنها.. يفتش في الوجوه وبين الشفاه، لا حديث يشبه حديثها ولا راحة يشعر بها كما كان يجد معها، النقص سيد كل المحاولات..

في المرة الثالثة قرر المزيد من الاقتراب، اللمس.. الاندماج.. تلاحم الأجساد، عله يجد في لقاء الأجساد ما ينزعها من داخله، الصور مزدحمة داخل رأسه، يراها ولا يرى بطلة مغامرته الجديدة، يشعر بروحها.. يشم رائحتها، يتلفت حوله بنظرات طفل تائه يبحث عنها، بلا شك ستأتي، لن تتركه يبحث عنها حتى الموت، تتلاقى الشفاه، يلتحم جسده ببطلة مغامرته الجديدة، يُغمض عينيه.. يراها أمام روحه، يقشعر بدنه.. يرتعد، تخونه ذكورته، يحفزها بلا جدوى..

الجسد عصي على خيانة الغائبة، رغبة قوية في البكاء، في الصياح والصراخ، يريد الهروب.. فكرة الهروب من الحنين إليها إلى مناجاتها أكبر وأقوى من فتنة الممددة عارية بجواره، الذكريات بداخله أشد من القيود والغلال، تقيد حتى ذكورته التي طالما زهى بها من قبل، صار مجرد جسد بلا قدرة على فعل شيء..

بناية شاهقة الارتفاع.. مهجورة بلا سكان، العربيد حوله العشق لقديس وراهب، تحجرت مشاعره وأصابها الجمود وتحول قلبه لصنم لا يحكي شيئًا سوى ملامح قسوة وألم الماضي، هي كل النساء.. وكل النساء منها، لكن لا أحد يشبهها على الإطلاق، العودة للوحدة هي الحل المضمون النجاح والمسكن الحاسم لجراحه وبؤس حاله..

تحول جسده للهذلان.. أصابته النحافة وتمكنت من جسده وتركت بصمتها عليه بوضوح، شابت ملامحه عشر سنوات فوق عمره، العشق داء يدمي الروح والقلب والجسد، الحسناوات أصبحن كؤوس خمر، يظنهن حلًا مثاليًا للنسيان، لكن لا يحدث إلا مزيدًا من الشجن والحنين..

توقف عن الكتابة.. أصابه الانسداد وغاب عنه الوحي، فقد مهاراته كلها دفعة واحدة بلا مقدمات، فقط ما زال يستطيع التنفس، فقط ما زال على قيد الحياة.. دون الشعور بالحياة، لا شيء أسوأ وأصعب من أن يسقط زير النساء في بئر العشق العميق، مغامرة ومغامرة ومغامرة.. ولا جديد، فقط يضاعف ذنوبه وجرائمه بمزيد من الوعود الكاذبة لضحايا رغبته في الهروب..

كل شيء تحول فجأة لملامحها، صديقه المقرب، بواب منزله، المارين في الطريق، حتى الحوائط والجدران، كل شيء مزين بملامحها وحاملًا اسمها، ملامحها تطارده بلا رحمة وبلا هوادة، يؤكد لنفسه أن الحل قادم مهما تأخر الوقت، في المغامرة الرابعة قد يجد الحل والدواء، أو لعله في الخامسة، السادسة.. السابعة، ربما حتى في العاشرة أو الألف..

البحث عن بديل حقه المشروع وطريقه الوحيد، فقط عليه الاستمرار في المزيد من البحث، بلا شك هي موجودة في إحداهن، لا منطق أنها لم تتكرر، كل البشر متكررون، منهم عشرات ومئات الصور البديلة، يبحث ويبحث ويبحث، ثم يكتشف أنه ما زال يذهب كل مساء للمرور بجوار منزلها، مجرد العبور دون حتى الفوز برؤيتها، مجرد الإحساس أنها بالجوار يشعره بالراحة، يتنفس.. يتنهد.. يبتسم وهو يؤكد لنفسه أنه يشم رائحتها ويقنع عقله أنه سمع همس صوتها، رحلة يومية يعقبها عودته للبحث عن بديل.

بقلم
أحمد عبد العزيز صالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى