كاتب ومقال

دار في خاطري| إنه طريقي

بقلم: ريم السباعي

عندما أسير في طريقي إلى البيت أسير بثقة، وخطى ثابتة، فأنا أعرف الطريق جيدا، فهو الطريق الوحيد إلى البيت، فلا أحيد عنه إلا في لحظات يصير عقلي فيها مشوشا، تلك اللحظات هي التي يضيع عندها تركيزي.

عندئذ أحيد عن الطريق، فتقودني قدماي إلى دروب أخرى لا أعلمها، ولكن عقلي المشوش يصور لي أن ذلك الدرب الذي أسلكه هو طريقي الصحيح، فأسير به بعض الخطوات حتى أكتشف أنه ليس طريقي، فأعود من حيث أتيت لأسلك الطريق الصحيح، وفي بعض الأحيان يستفيق عقلي ليدرك الخطأ في أول الطريق، فيرسل إلي بإشارات تنبهني فأصحح مساري على الفور، وأسير في طريقي الصحيح.

وفي أحد الأيام وبينما أنا على وشك الانحراف عن الطريق، إذا بعقلي يدرك الأمر، فأعدل عن السير في ذلك المنعطف الذي رأيت نهايته على بعد مسافة طويلة أنه مزين بأشجار وورود جميلة، وذلك إن صحت رؤيتي الغير واضحة، تمنيت أن يكون ذلك الطريق هو طريق بيتي، فطريق بيتي موحش وغير ممهد، لا أشجار فيه ولا ورود، لا يحوي إلا بئر نضب ماؤه من زمن لا أعرف كونه بعيد أم قريب.

رحت أسير في طريقي وعقلي متشبث بالطريق المزين، يراودني شعور بالعودة والسير فيه، ولكن سرعان ما يأتي التحذير من عقلي قائلا: إياك أن تذهب، ولكن الشعور بالرغبة في سلك ذلك الطريق لا تود مفارقتي، والعقل لا يكف عن التحذير.

وهنا تسلل إلى خاطري سؤال بسيط وهو “إلى أين أذهب حين أسلك ذلك الطريق؟!” فجاءتني الإجابة على الفور “لا! أعلم”، وهنا أتاني سيل من التساؤلات، كيف أسير في طريق ولا أعلم وجهتي؟! وماذا يحدث إذا سلكته؟! وإلى أين أذهب بعد ذلك؟! هل أعود إلى طريقي؟! أم أضيع في الدروب بلا مأوى؟! وما فائدة الجمال الظاهري عند الضياع؟! هل طريقي موحش حقا؟! وماذا يهم إن كان الطريق موحش ولكنه يوصلني إلى بيتي الجميل، والذي أراه الأجمل على الإطلاق؟!

مضيت أفكر في إجابات تلك الأسئلة، وفي الوقت نفسه أسير وأتأمل طريقي وكأنني أسير فيه لأول مرة، لاكتشف أنه ليس طريق موحش، بل طريق جميل، لا أنكر أنه وعر ولكنه به لمسات من الجمال يزداد كلما اقتربت من بيتي، أما البئر القديم فلم يعد يزعجني لأن الماء يصل إلى البيوت دون عناء، فلم نعد بحاجة إلى مائه، وهنا تلاشى ذلك الشعور الغريب ليحل مكانه شعور بأنني أحب طريقي، ولا أود تبديله بأي طريق آخر، مهما بلغ ذلك الطريق من جمال وروعة.

وفي النهاية وصلت إلى بيتي، فشعرت براحة كبيرة أتت بعد عناء وشقاء، ورحت أتأمله فرأيته أجمل مما كنت أراه من قبل، فجلست أفكر في حال البشر، لماذا تنتابهم دائما حالة من عدم الرضا؟! يصرون دائما على سلك السبل التي لا تؤدي إلى مكانهم الذي خصص لهم؟! لماذا يندمون على ترك الطريق الخطأ وهم يسيرون في طريقهم الصحيح؟! لماذا لم يفكرون إلى أين هم ذاهبون؟! وأي طريق يوصل إلى الغاية؟!

إن الله عز وجل جعل لكل إنسان طريق محدد، بخطى محددة، ليكون هذا الطريق هو الأنسب والأفضل له، وعندما يحيد عن ذلك الطريق يوجهه ويصحح مساره، حتى يصل في النهاية إلى الراحة والهناء، فلماذا إذن يحزنون، ويغضبون، ويثورون، ويسخطون؟! لماذا يلومون أنفسهم، ومن حولهم، وأحوالهم؟! وعلى أي شيء هم نادمون؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى