إبداعات كلمتنا| “دمية هَيَا”
دوي صوت الانفجارات يعلو عن ليلة أمس بشكل أكثر وضوحًا وأشد قسوة، الصغار مجتمعين في فناء البيت الكبير، بدار العم جاسر، منذ استشهاده وكلهم يتجمعوا في فناء بيته النصف مهدم لرعاية قططه الصغار، بفناء داره على الدوام عدد لا بأس به من القطط الجميلة النظيفة، اعتاد رعايتهم وتقديم الطعام لهم طوال الوقت..
صوت انفجارات مفزع، جعلهم يتقاربون ويتلاصقون وبينهم القطط الصغار، هَيَا تبتسم وهى تشعر بإحدى القطط تتسلق جسدها وتدخل برأسها في ثيابها، تداعبها بأناملها الصغيرة وتربت عليها وهى تهدهدها وتدندن لها بصوت خفيض كي تطمئنها، تخشى الغناء بصوت مرتفع حتى لا تسمع الطائرات صوتها وتصوب قدائفها نحوهم..
مريم تسأل بهمس بالكاد يُسمع من طنين صوت الانفجارات، أين ريم لم آراها من الأمس؟، أعين الصغار تتبادل النظرات بحثًا عن إجابة، صوت الطائرات يبتعد ويخفت صوت الانفجارات، فقط لم يعد موجود غير الغبار الكثيف الأسود الخانق مختلط بصوت صراخ ونحيب وبكاء مكتوم..
القطة الصغيرة تُخرج رأسها من ملابس هَيَا وتترك لها فرصة الإمساك بدميتها الصغيرة، الغبار غيّر لون الدمية الأبيض بشكل ملحوظ، عمر الصغير يدخل عليهم الفناء ويقف متجمدًا ثم ينفجر في البكاء، يجلس على ركبتيه وحوله الصغار وقطط العم جاسر، لا أحد منهم يعرف سبب بكاءه، لكنهم حتى القطط التصقوا به وهم يبكون مثله ولا أحد يبغي سؤاله أو معرفة سبب بكاءه..
ينظر لهم بنظرة قهر ويهتف بصوت محطم الفؤاد،
ماتت مريم، أصابتها الطائرة وقتلتها بقذيفة أكبر من مريم بعشر مرات، عقل هيا لا يستوعب المسألة، لماذا طائرة عملاقة بصوت مفزع تفعل ذلك بمريم الصغيرة؟!، مستحيل أن تكون مريم قد فعلت شئ سئ للطائرة، كيف تؤذي الطائرة وهى تُرّبي الحمام وتطعمه كل يوم بيديها الصغيرة..
عمر يخبرهم بصوت متهدج مرتعب أن عشرات الطائرات طاردت الاف الصغار وقذفتهم جميعًا في لحظة واحدة، لا أحد منهم يملك إجابة أو تفسير لسر عداء الطائرات العملاقة بأصدقائهم الصغار، هَيَا تضم دميتها وتبكي وهى تقبلها، دميتها من القماش، صنعتها لها مريم بنفسها، تضمها وتقبلها وتشم فيها رائحة مريم..
ريم تخبرهم وهى مفزوعة أن الطائرات العملاقة لا تتوقف لحظة عن مطاردة الصغار وقتلهم، تشرد وتنظر لسطح دار عم جاسر المحطم وتهمس لهم ببكاء أنها تريد ضرب تلك الطائرات وتحطيمها، الطائرات العملاقة حرمتها من أصدقاءها وأصابت أذنها الرقيقة بالألم..
عمر وكمال يجمعون الحجارة والحصى بملابسهم ويعدون للخارج بحثًا عن الطائرات لرجمها، هَيَا تقبض على دميتها بقوة وتهرول نحو بيت مريم، رغبتها كبيرة أن تقدم لها الدمية مرة أخرى، أخبرها العم جاسر من قبل أن الصغار إذا قذفتهم الطائرات يصعدون للسماء، يجلسون في حديقة واسعة خضراء ممتلئة بالصغار والألعاب والملابس النظيفة الزاهية..
تتعثر وتنهض وتتعثر وتنهض وتصميمها ثابت على الوصول لبناية مريم المحطمة، يحلق فوقها ظل أسود عملاق، صوت طائرة عملاقة مفزع، تقف وتحدق فيها، لعلها هى من قذفت مريم، تمسك بحجر صغير وترجمها، لا يعلو الحجر أكثر من متر واحد، والطائرة ترد حجرها بقذيفة عملاقة مشتعلة..
القذيفة تقترب وبصرها يَشخص، تبتسم وترى مريم تعدو نحوها بفستان أبيض نظيف، تضحك لها ويعدوان نحو بعضهما ويضمان بجسديهما دمية هَيَا ويلتفتون نحو اليمين.. مئات الصغار يدعوهم للعب معهم في الحديقة الخضراء الممتلئة باللعب والدمي الصغيرة.