خرج الجد برفقة حفيده الصغير إلى حديقة غناء، في يوم صحو مشمس من أيام فصل الربيع، وراح يلهو ويلعب معه وكأن فارق السن الذي بينهما قد تلاشى، فذابت السنون فأصبح في نفس عمره، فشعر بالقوة تسري في جسده وكأن أشعة الشمس الدافئة قد تغلغلت في عظامه فنزعت منها الضعف والوهن، فراح يركض ويلعب كطفل صغير.
وبينما هو على ذلك الحال لاحظ شرود حفيده، فنظر إلى عينيه فإذا به يحدق في الأعلى، فنظر حيث ينظر، فوجده يحدق النظر بعصفور يلهو بين أغصان الأشجار، فيحلق حينا، ويحط حينا، ويقف حينا، ويقفز أحيانا، فقال له: أيعجبك هذا العصفور السعيد يا بني؟! فقال الطفل: أجل! يا جدي، كم أتمنى أن أكون مثله عصفورا، فسأله الجد عن السبب، فقال: لكي أستطيع الطيران والتحليق في السماء، فكم أتمنى أن يكون لدي جناحين أضرب بهما الهواء، فقال الجد: ولكن الله عز وجل خلقك إنسانا، فقال الطفل: لا أريد أن أكون إنسانا، بل أريد أن أصبح عصفورا.
لم يقل الجد شيئا وفي طريق عودتهما إلى البيت توقف الطفل أمام حوض للأسماك، وراح يتأمل أسماك الزينة، فقال الجد: هل تعجبك هذه الأسماك الملونة الجميلة يا بني؟! فقال الطفل: أجل! أريد أن أصير سمكة، فسأل الجد عن السبب، فقال: لكي أستطيع العيش في الماء، فضحك الجد وقال: ألم تعد ترغب في أن تكون عصفورا؟! صمت الطفل للحظة يفكر ثم قال: أريد أن أمتلك جناحي عصفور أحلق بهما في الفضاء الفسيح، وخياشيم سمكة أتنفس بها تحت الماء، وأظل إنسانا يتكلم، ويضحك، ويلعب فوق الأرض، لم يقل الجد شيئا، وأكملا سيرهما إلى البيت.
وفي البيت دعا الجد حفيده ليشاهدا معا فيلما وثائقيا عن حياة الطيور، يليه آخر عن حياة الأسماك، ومضى الجد يفسر لحفيده ما يصعب عليه فهمه، وكان الطفل سعيدا بما يراه، وما يعرفه.
ما أن أنهى الجد تلك الرحلة الثقافية الافتراضية حتى سأل حفيده قائلا: والآن يا بني هل تريد أن تصبح عصفورا؟! أم سمكة؟! أم تبقى على صورتك التي خلقك الله عليها فتظل إنسانا؟! لم يرد الطفل وراح يفكر ثم قال: أريد أجمل ما لدى العصفور، أي جناحيه، وذيله، وصوته الجميل، وأجمل ما لدى السمكة، خياشيمها التي تمكنها من التنفس تحت الماء، وألوانها الزاهية، وأن أبقى إنسانا، ولكني سأصبح إنسانا مميزا، لا يشبهني أحد على الإطلاق، إنسانا يطير، ويسبح تحت الماء.
نظر الجد إلى حفيده وقال: إن الله عز وجل لم يخلق للإنسان أجنحة، وهو قادر على خلقها، ولكنه ميز بها الطير، وكذلك الخياشيم، فقد ميز بها الأسماك، ولكنه ميز الإنسان بالعقل، فهذا العقل جعله يطير ويسبح تحت الماء، به استطاع أن يصنع الطائرات والغواصات، والكثير والكثير من الاختراعات المفيدة.
إن ما ينقصك ليس عجز بك، فلابد أن الله عز وجل قد أعطاك ما يعوض ذلك النقص، شيئا يناسبك، يجعلك تستطيع أن تكون به الأفضل، فلا تنظر إلى ما منح الله لغيرك وتتمناه لكي تكون الأفضل، بل انظر إلى ما حباك الله به، واجعله سببا لتكون الأفضل.
نبذة عن الكاتبة
ريم السباعي
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب
صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها
للتواصل: