دار في خاطري| رأس الحمار
ما أجمل القصص والحكايات خاصة تلك التي كنا نسمعها في أيام طفولتنا، فكم كانت تترك أثرا جميلا وذكرى لا تنسى مدى الحياة، فمن منا لا يذكر قصة قد سمعها في طفولته تعلم منها درسا لن ينساه أبدا؟! أو قصة نهته عن فعل قبيح لو تطور مع الزمن لأصبح شنيعا؟! أو قصة لم يفهم مغزاها في وقتها وفهمه فيما بعد عندما رآه يتجسد أمام ناظريه؟!
كم أحب تلك القصص التي كانت تقصها علي أمي في طفولتي، أذكرها دائما وأسأل نفسي: هل تلك القصص مناسبة لأطفال زمننا هذا؟! ولكنني في الحقيقة لم أجد إجابة شافية لهذا السؤال، ولكن تبقى الحقيقة وهي أنها قصصا جميلة تركت في نفسي أثرا طيبا.
وقد كانت من ضمن تلك القصص التي قصتها علي أمي تلك القصة التي ربما يعلمها الكثير وهي قصة أسد، وذئب، وحمار خرجوا يوما للصيد، وعندما عادوا بصيد وفير طلب الأسد من الحمار تقسيم الغنائم، لبى الحمار طلبه وقسمها بالتساوي، ولكن سرعان ما أغضب ذلك الأسد، فضرب الحمار فأطاح برأسه، ومن ثم طلب من الذئب التقسيم، فقام الذئب بجمع الغنائم جميعها أمام الأسد عدا غنيمة واحدة أخذها هو، أسر ذلك الأسد وعندما سأله كيف تعلم تلك القسمة العادلة، فأجابه بأنه تعلمها من رأس الحمار التي قطعت.
إن هذه القصة تتكرر أمامنا كثيرا، فمن منا لم يرى ذلك يحدث أمامه؟! طاغية يريد لنفسه كل شيء، مسالم يتصرف عل سجيته، أو ثائرا على طاغية يريد تحقيق العدل -وهو في كلتا الحالتين في نظر الطغاه والخبيثين أحمق لا يعي كيف يتصرف بذكاء- وأخيرا ذلك الخبيث الذي يتعلم من هؤلاء الحمقى لينال حظا في هذا العالم من تقربه وتودده للطغاه.
ولكن هل كان المقصود من جعل ذلك الذي يقسم الغنائم بالتساوي حمارا ليشير إلى الحمق؟! أما كان الهدف أن يدل على بساطة المتصرف هكذا؟!
ولكن ماذا إذا نظرنا لذلك التصنيف في موقف آخر، مجموعة يقودها شخص ما اختير لقيادة المجموعة بأي شكل من الأشكال، فرأى أفراد المجموعة كلهم أو بعضهم خللا ما فتصدوا له، ولكن صوتا واحدا علا أكثر من أصوات الجميع، فأطيح به خارج المجموعة، فصمت الجميع.
هنا لابد أن يتغير أبطال القصة، فلم يعد صاحب الصوت العالي أحمق، فربما شجاع، ولم يعد المتعلم من إيذائه خبيثا، بل أصبحوا جبناء. فهذا تصور ربما يحدث، وربما لا يحدث، ويبقى كبش الفداء أحمقا في نظر الخبيث الذي يتلون كالحرباء، الذي يتعلم ويبرر وسائله وصولا إلى غاياته.
وفي النهاية تبقى تلك الأسئلة بلا إجابة، هل كان باستطاعة الحمار التوصل إلى تلك القسمة المرضية للأسد إذا قام الذئب بالتقسيم أولا؟! وهل كان الذئب سوف يقسم الغنائم بالتساوي إذا لم يرى رأس الحمار تقطع؟! هل كان الأسد يرى ببعد نظره قدر الذئب على فهم غايته فجعل من الحمار كبش فداء؟! وهل هي الحياة هكذا طغاه، وحمقى، وخبثاء؟!
بقلم:
ريم السباعي