كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “موانئ الحنين”

كم مقدار حبك لي؟! يبقى السؤال معلقا كعصفور يقف فوق رصيف من أرصفة السفر البعيدة و ميناء من موانيء الرحيل (موانئ الحنين) يودع السفن ويؤمي للعابرين يكتنفه الحزن لوداع قلب استوطن قلبه فكل غريب للغريب نسيب.. يرى ما في أعينها من عبرات وما في طوايا قلوبهم من حسرات لفراق الأهل والأحبة والسكن.. فاحتار بالإجابة .. تتعثر الكلمات في فمي وتتبعثر الحروف وتتوه أفكاري وتشرد من مرابضها أبل خيالاتي الدهماء
فبم أجيب، وكيف أجيب؟

وأردد حين تعانق كتاباتي الصمت المبرح وتعود حزينة باهتة نحيلة يقتلها الظمأ:
حبك يشبه الزمن العجول يدور ويدور ويدور ولايتوقف ابداً!

أحببتك لدرجة أني هنا..
وقلبي حيث أنت هناك في زاوية غرفتك تتكئين على سريرك الأبنوسي أرسل رسائلي لك أعنونها دوما بتلك الكلمات..

إلي ذلك الشخص الـذي يـؤكد ليَّ دائمـاً أن كل الأشيـاء الجميلـة تُشبهني، وأشبهها وأن الـزمـان لا يقف فـرحـاً إلا معي حين نلتقي حتى نكتب رسائل للنهر نحن نشتاق للقاء.

نكون كأم حملت فبشرت بغلام تتهلل وجوهنا عندما نلتقي وحينما يستبد بنا الغياب يكسر لنا أضلاعا، فيؤلمنا ويخلق لنا أوجاعا وأوصابا لا نعرف ماذا جنينا من الغياب وبم يفيدنا اللوم والملام والعتاب، نحتضن كلمات عجفاء ونترك أيامنا تترى تذهب سدى وحين ننام نفرش على الخد دمعات يغلفها الحني.

تأخذ المدامع في الانسكاب؛ لتصنع مجرى عميقًا في الخد وعلى الوجنات وتغرِقُ وسائدنا، ونختم حديثنا الليلي دومًا بذات الجمل وبنفس الطريقة التي تحمل في طياتها عذابات الدنيا وخذلان الزمن وتباريح الغرام والعشق:(شگـراً لك مـن أعمـاق قلبي؛ أُحبُّك گثيـراً)

أحيانا نتعمد الغياب.. نغيب ونترك رسائلنا مغلقة مغلفة معلقة لا نفض خاتمها ولا نقرأ ما بين السطور، ولا نعرف ما خلف الكلمات.. هل سيموت الحب وتنتحر الأشواق؟! هل ستنتهي الرحلة ويتوقف القطار؟!

بعد كل أزمة نتقوقع على ذاتنا نعود للطَّورِ الجنينيِّ كأنَّنا في أرحام أمهاتنا.. زَغَبُ الحواصلِ كعصافيرَ خاويةِ البطونِ.. أَجِنَّةٌ لم تولد بعد ولم تبعث فينا حياةٌ.

أيكون البعدُ والهجرُ والحرمانُ والضيقُ نهايةَ قصيدةٍ بين عاشقين مطلعها وختامها البؤس والشقاء؟

هل سيأتي يومٌ نقف على أطلالِ الكلماتِ وننعي الأحبةَ وديارهم ونتذكر رسومهم ونقول :كانوا هنا ذاتَ يومٍ، ونَبَتْ بهم رمالُ الصَّحراءِ، وأبعدتهم وطوتهم ذاكرةُ النسيانِ؛ فالغيابُ مجحفٌ ومؤلمٌ ومهلكٌ يكسر الروح ويفت في عضد من نحب.

نحن لا نتعامل مع من يسكنون القلب بكرم زائد يليق بهم، كدنا أن نضعهم تيجانا فوق الرأس او نصنع لهم أوسمة ونياشين نحتفي بها ونفتخر، فما يعرف قيمة الكرام إلا كريم الطبع سخي السجية كحاتم الطائي،
فمن صب لنا فنجانا صببنا له دلة، ومن ساق لنا بالطيب أقوالا وأفعالا، نسوق له العمر كله ونبذل له المهج.

كنت أبثك حلو مشاعري عبر وريقات بيضاء مستقيمة السطور أرمي على أعطافها لواعج قلبي وآلامه.. لكننا الآن نكتب عبر لمسات من خلال شاشة إلكترونية ملساء صماء لا تعرف معنى للمودة، ولاتدرك كيف يكون الجفاء؟!

إننا قد صرنا في الخواء فضاءات من سراب لا نرى وجه من يحادثنا وربما لا نسمع وقع أنامله عبر الأزرار ولا نشم رائحة عطره أو عرقه ولا نستبين أحواله حين يبادلنا الكتابة أفرح هو أم يملأ الحب قلبه؟!

أسعيد بمحادثتنا له أم مضجر متأفف؟! .. أمشغول أم لديه وقت كاف لنتبادل الرؤي والفكر ونملأ كؤوس الغرام ونشربها حتى الثمالة سويا؟!

لو أسأنا أو تخاصمنا هل نستطيع الاعتذار لقلب رقيق ونقدم له الأسف؟!.. وهل سيقبل العذر الحبيب ويعطف؟.. أتذكر أنني كثيرا ما وعدت حبيبتي ألا يثور بي الهوي!

لكنني كنت أعود وأخلف
-تتساءل: كيف الحليم يثور؟!
-فأجيبها: لا تتعجبي؛ إن الفؤاد أمام حسنك يضعف.
-ويحًا لقلب قد أهان مشاعرك
كم كان يخطئ في هواه ويسرف؟!

يا ليته وصل الحبيب بهمسة وبنظرة لم يعتد أو يجحف؛ فالريح إن هاجت تكون بغيضة.. ونسائم الأسحار منها ألطف

وها أنا بالفعل قد ندمت، َولن أعود لمثلها.. ذا موقفي إن المحبة موقف

فلتقبلي عذري فلست بعائد إن الفؤاد بدمعة يتأسف، عانيت في البعد المرارة والأسى لكن قلبي بطبعه يحب أن يتفلسف!

إني حبيب مستهام ثائر، وصادق الأشواق لا بد أن يترفق

والحب إن لم يكن متوهجا، كيف القلوب لضوئه تتلقف؟!
حتما ستنطفئ جذوتُهُ التي أرهقتنا وتخبو إذا ما صُبْحُ الودِّ في الصدرِ ضاقَ بيننا و لم يتنفسْ!

قصة قصيرة بقلم/
عبدالصمد الشويخي

(الكاتب، حاصل على ليسانس دار العلوم في اللغة العربية، والعلوم الإسلامية، وله العديد من القصص والقصائد، كما نال عدة جوائز أدبية في القصة القصيرة).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى