أحمد سليمان
كانت السماء تميل إلى الغيام عندما جلس أحمد في صالة منزله بإحدى ضواحي القاهرة وهو يمسك في يده كوباً من الشاي في انتظار عودة زوجته ريهام من العمل، فقد اعتادت التأخر عن موعد عودته بساعتين منذ ترقيها، ولكن هذا الأمر لم يكن ليغضبه فهو دائماً داعم لها ولنجاحها، وبمنطق المنفعة فإن الترقي زاد من مرتبها وفي ظل زواجهما منذ ستة أشهر فقط وعدم وجود أطفال لم ير أحمد أي ضرر في الحضور إلى المنزل قبل قدوم زوجته خاصة أنها لم تكن مقصرة في واجباتها المنزلية.
ولم يقطع هدوء المكان سوى صوت من موبايل أحمد يشير إلى قدوم رسالة على برنامج “الواتس آب” الخاص به، لم ينزعج فهو أمر اعتيادي بالتأكيد هي رسالة سلام عابرة من أحد الأصدقاء أو أمر خاص بالعمل، تناول الموبايل بهدوء وإذ بالرقم المرسل لم يكن مسجلاً عنده، ثم نزل أمر عليه كالصاعقة جعل ذهنه يشرد للحظات دون محاولة في التفكير، حيث أن مضمون الرسالة كان “مراتك بتخونك مع مديرها، وسلملي على الترقيات والعلاوات اللي بدون مناسبة”.
أسرع أحمد في البحث عن الرقم المرسل من خلال إحدى برامج كشف الأرقام فظهر له اسم “نور محيي” وهو اسم لم يعرفه في المحيطين به ولا في زملاء ريهام في العمل.
استشاط أحمد غضباً لكنه لم يعرف هل غضب من زوجته أم دفاعاً عنها، وأخذت الخواطر تطارده.. هي بالتأكيد رسالة من إحدى زميلاتها الحاقدات بسبب ترقيها في العمل فزوجتي تحبني وحتى إن لم تكن تحب فمن المستحيل أن تخون امرأة مثل ريهام زوجها فهي التي تحافظ على واجباتها الدينية وتنصحني دائماً بالتقرب إلى الله، لكن طموحها.. طموحها القاتل هل من الممكن أن تبيع كل شيء من أجله؟ هل نسي يوم ترقيها وهي تخبره بأنها ستتأخر لبعض الوقت يومياً في العمل كأمر واقع دون أن تستشيره في الأمر، وعندما سألها عن مصير عملها بعد الإنجاب قالت “أنا عاوزة أحقق ذاتي في الشغل وأي حاجة تيجي بعد كدة”، تذكر عندما لامها عن مكالمة في وقت متأخر من الليل فأجباته “ده مديري اللي رقاني وهو عايزني في شغل، يتصل في الوقت اللي عايزه”.
وعاد أحمد ليتساءل لماذا كل هذه الظنون لم تخطر بباله إلا عند قراءة تلك الرسالة المشؤومة، وواصلت تلك الأفكار اللعب بذهنه وقال إنه كان يخرج دائماً خلال الإجازات مع أصدقائه ولم يكن يعد إلا في صباح اليوم التالي أحياناً، وهي لم تكن تشعر بالضجر كباقي الزوجات، هل كانت تحضره للمنزل في وقت غيابه؟؟
لم يكن يعرف بأي وجه من الممكن أن يلقاها ، هل يصارحها، هل يراقبها، أم يتجاهل الأمر ويعتبر أنها رسالة من زميلة حاقدة على نجاح زوجته، وقطع أفكاره صوت غلق باب الشقة فقد أتت ريهام من الخارج وأسرعت إلى أحمد وقبلت جبينه قائلة “وحشتني يا حبيبي هخش ألحق صلاة المغرب وأحضرلك الغدا على طول”.
ولم يكن شيطان الشك ليترك أحمد في حاله وقد واصل اللعب به، وتساءل لماذا تسرع إلى دخول دورة المياه، هل تزيل آثار خيانتها لي، وكيف تكون هذه الآثار، هل تخدعني بصلاتها إلى الواحد القهار أم تستغفر لذنب لن يغفره الله أبداً.
وتمادت الظنون به حتى صرخ صرخة لم يسمع لها من قبل صدى في هذا البيت الهاديء قائلاً “ريهام” لتقطع صلاتها فوراً بعدما ظنت أن أمراً عظيماً قد حدث ليدور بينها هذا الحوار:
أحمد: تعرفي حد اسمه نور محيي؟
ريهام: وأنت بتخرجني من الصلاة وبتزعق عشان كدة أنا قلت حصلت مصيبة.
أحمد: انطقي تعرفيه أو تعرفيها ولا لا؟
ريهام: ولا عمري سمعت عن الاسم ده أساساً هو فيه إيه؟
وأعطاها أحمد الموبايل لترى الرسالة ثم تنظر إليه والدموع في عينيها دون أن يعرف أهي دموع امرأة خائنة تندم على فعلتها، أم هي دموع زوجة حزينة على شك زوجها في سلوكها أو غيرة إحدى زميلات العمل منها، لكنها لم تنطق سوى بجملة واحدة… “طلقني يا أحمد”.
نبذة عن الكاتب
أحمد سليمان
أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا
محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة
صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”
للتواصل :