كاتب ومقال

دار في خاطري| من وحي الهجرة

نظر الجد إلى حفيده الذي جلس بجانبه حزينا، شاحب الوجه وقد إغرورقت عيناه بالدموع، فقال له وهو لا يعلم سبب حزنه: لا تحزن إن الله معنا، فانتبه الطفل ونظر إلى جده وقال: الله معنا؟! فقال الجد: أجل! يا بني، إن الله معنا في كل مكان وزمان، فهل تعلم من قائل هذه الكلمات؟ ولمن قالها؟ ومتى؟ فهز الطفل رأسه بالنفي، فقال الجد: القائل هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، قالها لصديقه الصديق سيدنا أبو بكر، وذلك في غار ثور وقت هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدنية.

ثم سرد عليه قصة هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام ولكن ليس من البداية بل منذ لحق به كفار قريش فقال: أراد الكفار قتل النبي عليه الصلاة والسلام، فتتبعوا خطوات أقدامه التي انتهت عند الغار، وعندما رآهم سيدنا أبو بكر الصديق قال للرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: “إذا نظر أحدهم إلى تحت قدميه لأبصرنا” فقال له النبي: ” ما ظنك بإثنين الله ثالثهما” وقد ذكر الله عز وجل ذلك في القرآن الكريم، أرأيت يا بني؟! كيف ينهانا الله عن الحزن حتى في أشد المواقف وأصعبها، وذلك لأنه دائما معنا، فعندما تثق تمام الثقة بأن الله معك لن تضيع أبدا، وهذا مما تعلمناه من الهجرة النبوية الشريفة.

انفرجت أسارير الطفل وزال عنه حزنه وقال لجده: أخبرني يا جدي أكثر عن الهجرة النبوية، واجعلني اتعلم منها أكثر، فقال الجد الذي راح يقص عليه القصة كاملة من خلال دروس يتعلمها: تعلمنا الهجرة النبوية التضحية، فعندما اشتد أذى المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فأمره الله بالهجرة من مكة إلى المدينة، وكان الرسول يحب وطنه مكة التي ولد ونشأ فيها، فقال عند خروجه منها: “والله إنك لأحب أرض الله إلي وأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”.

ومن دروس الهجرة أيضا يا بني الإيثار، والشجاعة، وذلك يظهر جليا عندما نام سيدنا علي بن أبي طالب في فراش النبي ليفدي النبي دون أن يخشى قتل المشركين له، حين وقفوا عند بيت النبي ليقتلوه حين يخرج، فقال الطفل: وكيف خرج النبي عليه السلام؟ قال الجد: أنظر يا بني إلى قدرة الله وعظمته، فقد خرج النبي من بيته دون أن يراه المشركين وهو يتلو من كتاب الله قوله تعالى: ” وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ” فقال الطفل: سبحان الله، فقال الجد وهو يمسح على شعره: أرأيت؟! إن الله دائما معنا، لذا فهذا درس آخر نتعلمه من الهجرة وهو هجرة النفس عن المعاصي، فعلينا دائما بطاعة الله ونتمسك بما أمرنا به، وننتهي عما نهانا عنه، ونعبده حق عبادته.

شعر الجد بأن الحزن قد زال عن حفيده وحينئذ سأله قائلا: ما الأمر الذي كاد يبكيك بني؟! فأجابه قائلا: إنه شيء لا يدعو للحزن، لقد ضاع قلمي الجديد الذي اشتريته بالأمس ولم استخدمه، فأخرج الجد قلما كان بحوزته وقال: هذا هو؟ فابتهج الطفل وقال: أجل! شكرا لك يا جدي، قال: أعتذر لأنني أخذته دون علمك، ولكن عليك أن تحمد الله وتشكره، فقال الطفل: حمدا لله.

بقلم: ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى