كلمة ورد غطاها| الذكاء الاصطناعي ذلك الواقي العقلي

بعد أيام قليلة من حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأت بشائر إدارة الكفاءة الحكومية (DODE) التي يشرف عليها رجل الأعمال إيلون ماسك في الظهور، فهذه الإدارة، كما تم الترويج لها، ستقوم باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل الإنفاق الحكومي والمشروعات الخاصة بالحكومة الأمريكية داخل البلاد وحول العالم أيضًا.
وبغض النظر عن حملات المعارضة لهذا الأمر، والتي قادها عدد كبير من المواطنين – أغلبهم ينتمون إلى الحزب الديمقراطي – يستنكرون فيها قيام الملياردير الأمريكي بالاطلاع على البيانات الحساسة الخاصة بالحكومة الأمريكية، إلا أن هذه التجربة يُنظر إليها الحكوميون حول العالم بعين ترفض وأخرى تترقب ما ستسفر عنه تلك التجربة الجديدة، والتي كان من بشائرها الإعلان عن أن الحكومة الأمريكية قد أنفقت ما قيمته خمسين مليون دولار لتمويل شراء وتوريد واقيات ذكرية لقطاع غزة، وهو التصريح الذي حمل الكثير من الغرابة والاستهجان، وتلقفه المحللون ببعض التحليلات، منها على سبيل المثال: إذا كان متوسط سعر الواقي الواحد نصف دولار، فإن ما تم توريده إلى غزة يكون في حدود 100 مليون واقٍ ذكرى. وبما أن عدد سكان القطاع في حدود 2.23 مليون نسمة، منهم 1.13 مليون من الذكور، وإذا افترضنا جدلًا أنهم جميعًا في سن النشاط الجنسي، فإن ذلك يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بإهداء 100 واقٍ لكل ذكر في القطاع.
بالطبع، بدأت أخبار أخرى ساخرة تتحدث عن قيام سكان القطاع بتحويل تلك الواقيات إلى عبوات ناسفة، وغيرها من الأخبار العارية تمامًا عن الصحة. ثم حدث بعد أيام أن تم تسريب أنباء عن أن غزة المقصودة هي دولة زيمبابوي، ثم تلا ذلك خروج إيلون ماسك معتذرًا عن الخطأ الذي قامت به أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الحصر والتحليل. وأكد أن هذا الاعتراف يوضح أننا جميعًا نقع في أخطاء. ثم انتقل مرة أخرى إلى الحديث عن زيمبابوي وبرامج مكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والمخصص له المبلغ المذكور.
وبغض النظر عن تلك الواقعة، إلا أنها تلقى بدلالات لا يمكن تجاهلها، منها أن أسطورة ووهم أن الذكاء الاصطناعي مفيد دائمًا، ويستطيع دائمًا أن يعطينا تحليلات ونتائج لا يستطيع الإنسان التوصل إليها بمفرده، هي أكذوبة كبرى تم الترويج لها وصدقها الكثيرون. ومن الدلالات أيضًا أن تلك الواقعة من الواجب استخدامها دائمًا كمثال للتدليل على إعلاء قيمة العقل البشري وما يحمله من منطقية وإبداع، مهما كانت نتائج أنظمة الذكاء الاصطناعي تبدو مبهرة، فما بالنا وهي ساذجة أحيانًا ومضللة أحيانًا أخرى.