أتى فصل الصيف فسعد بقدومه الأطفال، إن الصيف هو الفصل المفضل لديهم، ففيه الإجازة الصيفية، وهي إجازة طويلة يستريحون فيها من تعب عام دراسي، ويمارسون أنشطتهم المفضلة، ويلعبون ألعابهم المميزة، فتصفى أذهانهم ويصبحون على أتم الاستعداد لعام دراسي جديد، وأما بالنسبة لمريم، وندى، وباسم، ورامي فإن الإجازة الصيفية تعني لهم الذهاب إلى بيت جدهم لقضاء أوقات ممتعة برفقته في مزرعته الصغيرة.
لم يكن الأطفال وحدهم من ينتظر قدوم الإجازة الصيفية، بل الجد والجدة أيضا ينتظرانهم بفارغ الصبر، فهما يسعدان بقدومهم، ويأنسان بوجودهم، فكم يعشقان ضجيجهم، ولعبهم، ومرحهم، ويحبان فضولهم وأسئلتهم الدائمة التي لا تنتهي حول كل شيء يحدث في هذا الكون.
لقد اعتاد الجد أن يعلم أحفاده في كل زيارة درسا مفيدا يتذكرونه مدى الحياة، وفي صباح أحد الأيام طلب الجد من أحفاده الأربعة جمع الخضروات، ففرح الأطفال وأسرعوا لتلبية الطلب، ولكن سرعان ما شعروا بالملل عدا باسم فقد كان مستمتعا وسعيدا بالعمل، وفي اليوم التالي طلب الجد منهم إطعام الدجاج والبط وجمع البيض، وكما حدث بالأمس فرح الأطفال كثيرا، ولكن سرعان ما شعروا بالملل عدا ندى التي كانت سعيدة، فكانت تداعب الطيور، وتضع لها الطعام في يدها، فتقترب منها الطيور وتأكل دون خوف.
كان الجد يلاحظ ما يحدث ويدون ملاحظاته، وفي اليوم الثالث طلب من الأطفال مساعدة الجدة في إعداد الخبز، فرح الأطفال كعادتهم وراحوا يحضرون الدقيق واللبن والخميرة، ومن ثم راحوا يعدون الخبز، ولكن سرعان ما شعروا بالملل عدا مريم التي كانت سعيدة وتعلمت الكثير حتى أتقنت صنع الخبز، وفي اليوم الرابع طلب الجد من الأطفال تنظيف حظيرة الأرانب وإطعامهم، وكالعادة فرح الأطفال في بادئ الأمر ولكن سرعان ما تسلل الملل إليهم عدا رامي الذي كان سعيدا، يحمل الأرانب الصغيرة ويطعمها.
وفي اليوم الخامس جمع الجد الأطفال وقال لهم: لن أكلفكم اليوم بعمل واحد تعملوه معا، بل سيقوم كل منكم بعمل منفرد، ثم قام بتوزيع المهام، فقال: سيقوم باسم بجمع الخضراوات، بينما ندى ستطعم الدجاج والبط وتجمع البيض، ومريم ستساعد الجدة في إعداد الخبز، أما رامي فسيقوم بتنظيف حظيرة الأرانب وإطعامهم، فرح الأطفال كثيرا وقام كل منهم بعمله وأتمه على أكمل وجه دون أن يشعر بملل أو ضجر، فلقد كلفه الجد بعمل يحبه، ويستطيع عمله.
بعد الانتهاء من العمل جلس الأطفال بجوار جدهم وهم سعداء بما أنجزوه، قال الجد: من يريد أن يعمل نفس عمله غدا؟ فقال الجميع في صوت واحد: أنا، فقال الجد: ومن شعر بالملل اليوم؟ فلم يجب أحد، فقال لقد كنت أراقبكم طوال تلك الأيام الماضية، فلم يكن اختياري اليوم عشوائيا، بل مبنيا على ما استنتجته من مراقبتي لكم، فلقد علمت بقدرة كل منكم، وعلمت ما هو العمل الذي يفضله ويستطيع فعله، ثم كلفت كل منكم بالعمل الذي يقدر عليه.
إن الله عز وجل يعلم قدرتنا جميعا، ويعلم ما نستطيع فعله، وما نستطيع تحمله، لذا فهو لا يحملنا فوق طاقتنا، وهذا هو الدرس يا أبنائي فعندما تواجهك الصعاب فاعلم أنك تستطيع مواجهتها، لأن الله يعلم ذلك وإنه لن يحملك ما لا تستطيع تحمله، ولا تستهين بأمر تقوى عليه بينما يراه الأخرين حملا ثقيلا لن تستطيع تحمله، بل كن على يقين بأنهم لا يقدرون وأنت تقدر، لا قوة ولا شجاعة منك، ولا ضعف ولا جبن منهم، بل لأن الله جعلك تقدر وهم لا يقدرون.
وفي المقابل ستجد أمرا تستصعبه وتشعر أنك لن تقوى عليه إذا مررت به، بينما يقدر عليه غيرك، فمثلا إن كنت حقا لا تقوى على المرض، والله يعلم بقدرتك وانت لا تعلم، فستجد نفسك صحيح الجسد وبصحة جيدة، بينما نجد فلانا مريضا هذيلا، فعندئذ أعلم أنه يقوي على تحمل المرض، وإن كنت تستطيع تحمل ضيق الحال حقا، والله يعلم وانت لا تعلم، فستتحمل الفقر لا محالة، بينما تجد فلانا غنيا، فاعلم أنه لا يقوى على ما تقوى عليه، وهكذا الكفيف يستطيع تحمل فقدان البصر، ولا يستطيع تحمل فقدان باقي الحواس، بينما الأصم لا يستطيع فقدان حاسة البصر ولكنه يستطيع تحمل فقدان السمع، وتجد هذا لا يستطيع العيش دون والديه، بينما هما يستطيعان العيش دونه، فيأتي أجله، وذاك لا يستطيع العيش دون أولاده بينما هم يستطيعون فيأتيه اليقين أولا.
وهكذا يختلف البشر باختلاف قدراتهم، فتختلف احتياجاتهم، ويختلف فقدانهم، وتختلف تحملاتهم، ويبقى الشيء الوحيد الذي لا يختلف بين البشر هو أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.