كاتب ومقالكلمتها

ذكرياتنا الصغيرة

الطفولة ليست مجرد مرحلة زمنية قصيرة نمر بها، بل هي حجر الأساس الذي يُبنى عليه الإنسان كاملًا، هي الجذر الذي يتشكل في ظله شعورنا بالثقة والأمان والقدرة على الحب والتواصل.

كل لحظة يمر بها الطفل تُسجل في ذاكرته، صورة..إحساس..صوت..ضحكة..وكل هذه اللحظات تتجمع لتكوّن خارطة حياته الداخلية التي سترافقه حتى الكبر. لذلك، لا يمكن الاستهانة بأهمية أن تكون طفولتنا سعيدة، مريحة، خالية من الخوف والضغط النفسي، مليئة بالحنان والحرية والتجارب التي تمنح الطفل شعورًا بالانتماء والحب.

نحن البالغين، آباء وأمهات، نحمل مسؤولية ضخمة: مسؤولية خلق عالم آمن لأطفالنا، عالم يتيح لهم الاكتشاف واللعب والتعبير عن أنفسهم بحرية، عالم يجعلهم يشعرون بأنهم محبوبون مهما كانت أخطاؤهم صغيرة أو كبيرة. هذه اللحظات البسيطة، من ضحكة مع الأب، إلى قصة قبل النوم، إلى مشاركة بسيطة في ممارسة يومية، كلها تُترجم في ذهن الطفل إلى شعور بأنه ذو قيمة، وأن العالم من حوله مكان يمكن الوثوق به.

الذكريات الطفولية ليست مجرد صور عابرة، بل هي نصوص حياتية ترويها النفوس مستقبلاً، وعندما يكبر الطفل ويصبح أبًا أو أمًا، فإن هذه الذكريات هي ما سيرويها لأطفاله، لتكون الأساس الذي يبني عليه جيل جديد من الأمان العاطفي والوعي النفسي. من هنا تأتي أهمية أن نمنح أطفالنا تجربة طفولة مليئة بالحب والطمأنينة، بعيدًا عن الصراعات اليومية التي قد نعتقد أنها لا تؤثر، لكنها في الواقع تترك أثرًا عميقًا في تكوينهم العاطفي.

لنكن صادقين مع أنفسنا، كل لحظة من إهمال أو غضب مفرط، كل كلمة جارحة أو تصرف متسرع، تبقى محفورة في ذاكرة الطفل، وقد تتشكل فيما بعد سلوكيات أو مشاعر نقص أو خوف. أما العكس، كل لحظة من الاستماع، من التفهم، من المشاركة الحقيقية، تُغرس في قلبه بذور الثقة بالنفس وبالآخرين، وتمنحه شعورًا داخليًا بالقيمة والاحترام، شعورًا لا يُقاس بأي إنجاز مادي.

إذا أردنا أن نبني مجتمعًا أفضل، فإن الطريق يبدأ من داخل بيوتنا، من العناية بالطفولة، من الحرص على أن يكون لكل طفل ذكريات سعيدة، ذكريات تُغنيه روحيًا وعاطفيًا. حين ينام الطفل مرتاح البال، حين يضحك بحرية دون خوف من لوم أو قسوة، حين يشعر أن هناك من يسمعه ويحتويه، يكون بذلك نواة لإنسان متوازن، قادر على مواجهة الحياة بمزيج من القوة والرحمة، من الحكمة والعاطفة.

الطفولة ليست مرحلة يمكن تعويضها لاحقًا، وما يُفوت من حب ودفء وأمان لا يُستعاد. لهذا، علينا أن ندرك أن كل لحظة نمضيها مع أطفالنا، كل كلمة نختارها بعناية، كل تصرف نمارسه معهم، هو استثمار حقيقي في مستقبلهم النفسي والاجتماعي. لنمنحهم طفولة سعيدة، ليست ترفًا أو رفاهية، بل هي ضرورة أساسية، حجر الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء بعد ذلك: العلاقات، الطموح، الإبداع، وحتى القدرة على الحب والثقة في الآخرين.

لذلك، دعونا نتوقف قليلًا عن الانشغال الدائم، عن ضغط الحياة وساعات العمل الطويلة، لننظر في أعين أطفالنا، لنستمع لهم حقًا، لنحتضنهم، لنلعب معهم، لنترك لهم ذكريات جميلة يمكن أن يحتفظوا بها مدى الحياة. فالطفولة ليست مجرد فترة زمنية، بل هي حياة كاملة تُعاش مرة واحدة، وعليه فإن سعادتهم وراحة بالهم هي مسؤوليتنا الأولى، وهي أعظم هدية يمكن أن نقدمها لهم، لتكون حياتهم فيما بعد مليئة بالأمل، بالطمأنينة، بالحب، وبالقدرة على نقل هذا الخير لجيل آخر.

بقلم:
وفاء حسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى