صراع مُنهِك تشهده البيوت والعائلات المصرية التي لديها طلاب في الثانوية العامة، في مثل هذا التوقيت من كل عام ينفض المولد، وبعد انتهاء الامتحانات يبدأ القلق والترقب، ما بين الاستعداد لاختبارات القدرات التي لا يعرف الطالب أصلا إن كان سيلتحق بهذه الكلية التي تقدم لاختبار قدراته بها أم لا!.
منطق معكوس في كل عام، وكأن لسان الحال يقول: لقد أسمعت لو ناديت حيا. فأبجديات المنطق تقول إن الدفع مفترض أن يقابله خدمة، وهو ما يثير الكثير من الأسئلة حول أهمية تحديد مواعيد اختبارات القدرات لكليات التربية الفنية والرياضية والفنون التطبيقية، لتكون الاختبارات بعد ظهور النتيجة، لا قبلها.
بالدخول لموقع عدد من الجامعات ستجد رسالة تقابلك أن عليك أن تدفع أولا رسوما غير مستردة، والمنطق نفسه يحتم أن تكون القيمة المدفوعة غير مجحفة، فحينما يكون الطالب عليه أن يدفع نحو 1000-2500 جنيه، لجامعة واحدة ولا يدري إن كان التنسيق مناسبا ليلتحق بهذه الجامعة أم لا، وهو ما يجعل الأسرة مطالبة بدفع نحو 10 آلاف جنيه، على الأقل، في خطوة كما يقول المصريون: “صابت أو خابت”.
ليس هذا السيناريو وحده الذي يشكل كابوسا إضافيا على عاتق الأسرة المصرية، ولكن ما يزال انتظار النتيجة هاجسا لا يفارق رؤوس الأسر المثقلة بهَمِّ الثانوية العامة، والتي تحسم لك نتيجة سنوات التعليم الماضية بأكملها، منذ الحضانة وحتى رسم أول خطوة في مستقبلك، في رسالة لا تعترف بأي عارض قد يعتري الطالب أثناء فترة الامتحانات من مرض أو غيره، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة لتقييم المشهد بأكمله.
في هذا المشهد المضحك المبكي، يحب علينا جميعا أن نقرع أجراس الإنذار، نجلس إلى طاولة واحدة، لنعرف جيدا ما يحتاجه المجتمع، وتوظيف طاقات هؤلاء الشباب لتحقيقه، بالإضافة إلى تقديم تعليم حقيقي قادر على المنافسة في الأسواق العالمية، التي لا تتحدث بغير لغة التكنولوجيا والمهارات الفنية والتمكن الحِرَفي، وهو التوجه الذي سعت إليه مصر في السنوات الأخيرة، حيث عززت من إطلاق المدارس التكنولوجية المتميزة، والتي تؤهل خريجيها لسوق العمل.
التحدي الآخر يتمثل في القبول المجتمعي للمدارس الفنية والحرفية وعدم التعامل مع خريجيها على أنهم أقل من أقرانهم ممن حصلوا على الثانوية العامة، وهو ما ينبغي على قادة الرأي أن يتبنوه، ولدينا الكثير من التجارب العالمية في هذا الصدد؛ ففي الكثير من الدول الأوروبية لا يمكنك التعامل مع جهاز كهربائي أو أداء ما يتعلق بحرفة معينة، إلا ولديك تأهيل يثبت مهارتك، وكذلك ترخيص بمزاولة هذه المهنة، وهو ما نحتاج إلى تفعليه، من تقنين الحرف الفنية، مثل السباك والحداد والنجار وغيرهم.
ونحن ننتظر نتيجة الثانوية العامة، علينا أن نؤكد لهؤلاء الطلاب أن الأمر ليس نهاية المطاف، وأن أمامه رحلة طويلة، تحتاج إلى مهارات من إتقان اللغة والمهارات التكنولوجية، ولا تستغرب أن تجد الطالب يحتاج إلى تعلم كيفية نطق كلمات اللغة الإنجليزية، بعد أن أمضى نحو 10 سنوات في تعلمها، في أمر ينافي العقل والمنطق.
ختاما فإن علينا جميعا أن نتحرك فورا لتغيير المشهد بأكمله، وإلا فإن الفاتورة ستكون أكثر فداحة، أن نستهدف العقول قبل الجيوب، وأن يكون لدينا دراسة وافية لما يحتاج السوق المصري أو الأسواق الخارجية، ليلبي التعليم الجامعي والفني ما يناسب هذه الاحتياجات، بجانب التركيز على أن يتعلم أبناؤنا مهارات اللغة تحدثا واستماعا وقراءة وكتابة، لا الاعتماد على مناهج لا تعزز سوى مهارة الحفظ، دون التطبيق.