كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| العرافين والدراسات المستقبلية

مع نهاية كل عام، تكثر استضافة العرافين في القنوات الفضائية وعلى صفحات بعض الجرائد والمجلات، ونراهم أيضًا يملؤون الفراغ الإلكتروني في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، يتحدثون عن توقعاتهم لعام جديد. وبالرغم من القرار الأخير للهيئة الوطنية للإعلام بحظر استضافة العرافين والدجالين في البرامج التليفزيونية، إلا أن بعض القنوات العربية ما زالت ترحب بهم. ليس هذا وحسب، بل ربما نجد لهم تواجدًا أكبر عبر الإعلام الرقمي أيضًا، فنجد بودكاست مع العراف فلان أو العرافة فلانة، يتحدثون بتوقعات مستهلكة عن وفاة نجم شهير أو زعيم سياسي أو حدوث زلازل وأعاصير في دولة ما، إلى غير ذلك من التوقعات التي نسمعها كل عام ونستمر خلال الشهور الأولى من العام التالي في ترقب حدوثها، ثم ينسى أغلبنا ما قاله هؤلاء العرافون، ولا نسمع لهم صوتًا إلا في حالة حدوث أحد تلك التوقعات، فنجد الاحتفاء بهم يعود مرة أخرى ليملأ الأجواء.

والحقيقة أن المتابع والمدقق فيما يقولون يستطيع وبسهولة الوصول إلى حقيقة ما يقولون، فهو لا يعدو أن يكون مجموعة من التوقعات التي من الممكن حدوثها ومن الممكن عدم حدوثها أيضًا. ربما ينذر شتاء قارص سابق بالتكرار مرة أخرى، وربما ينذر شدة مرض نجم ما بأنه على حافة الموت. التساؤل الأهم هو: من يخبر هؤلاء الدجالين بتلك التوقعات؟ هل هي مجرد حالة تخريف أم هي توقعات معتمدة على مقدمات؟ ويكون السؤال المعتاد هو “لماذا الغموض؟” فحين يقول إن العام القادم سيشهد وفاة فنانة عربية، لماذا لا يذكر اسم الفنانة أو يوضح أكثر ويضيق الإطار إلى عدد محدود منهن بدلاً من ترك الأمور بهذه العمومية والغموض؟ أيضًا، هل الجن هو من يخبرهم بذلك، أم هي الأبراج والحسابات التي يحاولون الإيحاء بأنها مبنية على علوم الفلك والأجرام السماوية؟ ثم إذا كان الأمر كذلك، لماذا لا يتم الاستعانة بهم في الصفقات التجارية والصراعات السياسية والعسكرية لتجنب الفشل والوصول إلى المزيد من النجاحات؟

الأمر المدهش أيضًا هو كم التسامح مع أخطاء هؤلاء العرافين بعد انتهاء السنة وبيان أن ما تنبؤوا به لم يحدث. لماذا لا يستضيفهم أحد ويسألهم عن أسباب ومبررات فشل التوقعات؟

لا أريد أن أجادل في هذا الأمر ولا أن أستثير محبي هؤلاء العرافين، ولكنني أشفق عليهم من التكرار الممل عامًا تلو الآخر. وإذا كان البعض مهتمًا بالمستقبل بحق، فلماذا لا يدرس علم المستقبليات – الدراسات المستقبلية – ذلك العلم الذي بدأ الحديث عنه قبل أقل من 30 عامًا من الآن والذي يقوم على النماذج الرياضية والمعادلات المعقدة لتحليل كم كبير من البيانات التاريخية ومحاولة الإسقاط (Projection) على المستقبل في محاولات علمية لاستقرائه والتعرف عليه، وهو أسلوب مقبول من الجميع، المؤمنون بالدجالين وغير المؤمنين، فهو يتبع أساليب علمية، حتى في حالة عدم نجاحها، فإن أسباب علمية أخرى ستكون موجودة لتبرير ما حدث ولماذا حدث.

للأسف الشديد، نحن نتقدم في الزمن ونتأخر في العقلية. فلم أتوقع أننا في عصر الشبكات والذكاء الاصطناعي والحواسب العملاقة وكل تلك التكنولوجيا، أن نترك كل ذلك جانبًا بإهمال ونتطلع إلى دجال أو دجالة تحدثنا عن إصابة نجم رياضي كبير بإسهال وقيء خلال الخريف القادم ولكنه سينجو منها، بينما يصفق لها المذيع المضيف، عيناه تفيضان بالدموع مما عرف من هذا الباطل.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى