كلمتها

وردة وبليغ حمدي.. جمعهما الحب وفرقهما الفن

علقت أفلامها في أذهاننا وحفرت أغانيها في قلوبنا، نرردها كل حين بشغف وشجن، حتى انتقلت أنغامها بخفة من جيل لآخر، ولازالت تحمل ذات الحب والرقي، إنها “وردة الجزائرية”، وبحديثنا عن هذه الفنانة العظيمة، لابد وأن تأخذكم منصة كلمتنا في رحلة قصيرة إلى قصة الحب الملهمة التي جمعتها بالموسيقار العظيم بليغ حمدي والسر وراء أغانيها.

في يوم ما في إحدى صالات السينما في فرنسا حيث  ولدت وردة، كانت تشاهد فيلم “الوسادة الخالية” بطولة “عبدالحليم حافظ”، وكانت تبلغ آنذاك 16 عامًا، وفي وسط أحداث الفيلم عرضت أغنية “تخونوه”، للملحن بليغ حمدي، فتعلقت وردة بالأغنية ولحنها فور سماعها، حتى تحركت عواطفها نحو الملحن دون إرادة وتمنت مقابلته يومًا بشغف شديد.

اللقاء المنتظر:

تلقت وردة دعوة للحضور إلى مصر، من المخرج والمنتج الراحل “حلمي رفلة”، الذي قدمها للسنيما المصرية، فاجتاح قبلها سعادة عارمة، لأنها ستلتقي بالملحن بليغ حمدي التي انتظرت رؤيته كثيرًا، فالتقى الثنائي، ليعرض بليغ عليها لحنًا ألفه خصيصًا لها “يا نخليتين في العلالي” من أول أفلامها السنيمائية ” ألمظ وعبده الحمولي” الذي عرض عام 1962.

فولدت شرارة الحب بينهما منذ اللقاء الأول، حتى تكررت اللقاءات واحدًا تلو الآخر، بعد تسجيل أغنية “أحبك فوق ما تتصور”، وبدأت قصة الحب بينهما فعليًا، فقرر بليغ حمدي أن يتقدم لخطبة وردة من عائلتها الجزائرية التي انتقلت للعيش في مصر، ولكن حدث ما لم يتوقعه أيًا منهما على الإطلاق.

وردة

اقرأ أيضًا: “مي زيادة وجبران”.. قصة حب خلدتها الرسائل دون لقاء

فراق الأحبة:

تجهز بليغ حمدي واصطحب معه مجدي العمروسي ووجدي الحكيم للتقدم لخطبتها، لكن حدثت مفأجاة غير سارة ولم تكن بالحسبان، وهو رفض والد وردة السماح لبليغ حمدي بدخول المنزل، وأبعده بعصا غرزها في بطنه، قائلًا أن ابنته لن تتزوج من الوسط الفني، ولكن رُغم ذلك استمر الحب بينهما، فأصبح يلتقيان يوميًا في سهرات فنية للعمل، مما جعلها تعود ليلًا متسللة إلى شرفتها خفية حتى لا يراها أحد من العائلة.

العودة إلى الديار:

عادت وردة إلى الجزائر، وكانت هذه أولى زيارتها لبلدها عام 1962، كما أصرت عائلتها على أن تتزوج من قريبها، وهو ما حدث بالفعل، فتزوجت من المناضل الجزائري “جمال قصيري”، وانجبت منه وداد ورياض واعتزلت الفن آنذاك، حتى مرت 10 سنوات دون أمل تزوج فيها بليغ حمدي لمدة شهرين ثم انفصل عن زوجته، وحاول مرارًا نسيان وردة ولكن دون جدوى، حتى كان للقدر رأي آخر.

صدفة خير من ألف ميعاد:

في عيد الاستقلال العاشر للجزائر، دعاها الرئيس “هواري بومدين”، كي تغني في حفل الاستقلال، عام 1972، ثم عرفت أن هناك نجومًا من مصر جاءوا لحضور الحفل، فقررت الذهاب إليهم كي تلقي السلام، فالتقت هناك بالموسيقار بليغ حمدي من جديد، وفور رؤيتها جال في خاطره فكرة أغنية “العيون السود” التي غنتها وردة فيما بعد، بناء على طلبٍ منه، فحاول الشاعر محمد حمزة أن يتدارك صعوبة الموقف، فقال” أن بليغ يعبر عن رغبتنا جميعًا لعودتك إلى مصر”

وعملت ايه فينا السنين؟
فرفتنا..لا، غيرتنا.. لا، ولا دوبت فينا الحنين.

وردة

عودتها إلى مصر:

انفصلت وردة عن زوجها، وعادت إلى مصر وقررت أن تتوج ذلك الحب بالزواج من بليغ حمدي، فاستمر زواجهم 6 سنوات، وكانت معظهم أغنيات وردة من ألحان بليغ.
مثل: السود عيونه، خليك هنا، اشتروني وحكايتي مع الزمان.

وكما جمعهما الفن، كان هو السبب في انفصالهما، بعدما اعتادت وردة على الحياة الزوجية، لم يستطع بليغ، فكان منقادًا وراء فنه وهو ما رفضته وردة وقررت الطلاق وندمت عليه بعد ذلك، فتدهورت حالة بليغ الصحية والنفسية وكذلك وردة.

رُغم الانفصال، ظل الحب يحاوط قلوبهم، حتى الممات، وكتب لها أغنية “بودعك” التي اعتبرت آخر أغنية لها من ألحانه، وكانت بمثابة أغنية الوداع، فلم يغادر حبها قلبه، فكان يردد اسمها حتى وفاته عام 1993، الخبر الذي أصابها بحالة اكتئاب شديدة تخللت روحها.

بودعك وبودع الدنيا معاك.. جرحتني قتلتني، غفرت لك قسوتك.. بودعك من غير سلام.

حياتها المهنية:

وردة هي واحدة من أبرز فناني الزمن الجميل، والمعروف أن اسمها الحقيقي “وردة محمد فتوكي”، ولدت في العاصمة الفرنسية باريس يوم 22 يوليو عام 1939، من أم لبنانية ووالد جزائري، وفي طفولتها كان والدها يملك فندقًا في باريس حيث اعتادت أن تقدم فيه أغاني لأم كلثوم وأسمهان وعبدالحليم حافظ.

كما كان يشرف على تعليمها المغني التونسي الراحل “الصادق ثريا”، الذي قدمت أغاني من ألحانه فيما بعد، وفي عمر العشر سنوات تقريبًا، وقفت على المسرح لأول مرة في بيروت، بعدما عادت مع والدتها إلى لبنان، حيث نالت تشجيع كبير من الجمهور آنذاك، مما جعلها تتعلق بهم وبمسرح بيروت حتى توالت الحفلات بينهم، حتى وصلت إلى آخر وأهم محطاتها وهي “مصر”.

قدمت أعمال غنائية وسنيمائية عديدة وهي:
فيلم “ألمظ وعبده الحامولي” مع عادل مأمون عام 1962، “أميرة العرب” مع رشدي أباظة وفؤاد المهندس عام 1963، “صوت الحب” مع حسن يوسف وعماد حمدي عام 1973، “حكايتي مع الزمان” مع رشيدي أباظة عام 1974.

” آه يا ليل يا زمن” مع رشدي أباظة ويوسف شعبان عام 1977 و “ليه يا دنيا” مع محمود ياسين وصلاح السعدني عام 1944، وفي الدراما قدمت 3 مسلسلات: “أوراق الورد”، “الوادي الكبير” و “آن الأوان”.

كما قدمت مجموعة من الأغنيات العظيمة من بينها: العيون السود، في يوم وليلة، بتونس بيك، قال ايه بيسألوني، بودعك، اكدب عليك، طب وأنا مالي على عيني، اوقاتي بتحلو واحضنوا الأيام.. وغيرها، فتعاونت أثناء مسيرتها الفنية مع نخبة من أبرز الملحنين والشعراء: محمد عبدالوهاب، فريد الأطرش، رياض السنباطي، محمد الموجي، حلمي بكر، سيد مكاوي وعمار الشريعي.. وغيرهم.

في 17 مايو 2012 رحلت وردة عن عالمنا، حيث توفت بمنزلها بالقاهرة إثر أزمة قلبية مفاجئة، وتم دفنها بمقابر أسرتها بالجزائر بناء على طلبها، فرحلت عنا ولكن لم ترحل أغنياتها يومًا، لازالت الفنانة الجزائرية التي احتلت قلب الراحل بليغ حمدي واحتلت قلوبنا دون رجعة.

وردة

اقرأ أيضًا: “نازك الملائكة”.. رائدة الشعر الحر في العصر الحديث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى